الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] { باب } في أحكام الكتابة ، والمكاتب مأخوذ من الكتاب بمعنى الأجل المضروب كما في قوله تعالى { إلا ولها كتاب معلوم } أي أجل أو من الكتب بمعنى الإلزام كما في قوله تعالى { كتب عليكم الصيام } أي ألزمكم وقوله تعالى { كتب ربكم على نفسه الرحمة } أي ألزم نفسه والعبد التزم لسيده أداء النجوم وهي شرعا عرفها ابن عرفة بقوله عتق على مال مؤجل من العبد موقوف على أدائه فخرج ما على مال معجل فقطاعة ومؤجل على أجنبي وما لم يكن على مال أصلا كالعتق المبتل والذي لأجل والتدبير ولم يعرفها المصنف ، وإنما بين حكمها فقال ( ندب مكاتبة أهل التبرع ) بكل ماله أو ببعضه كالزوجة والمريض أي ندب لأهل التبرع أن يكاتب عبده فمكاتبة مصدر مضاف لفاعله ومحل الندب إن طلب الرقيق ذلك وإلا لم تندب ومفهومه أن غير أهل التبرع لا تندب مكاتبته وما وراء ذلك شيء آخر ، فإن كان صبيا أو سفيها كانت مكاتبته باطلة ، وإن كان مريضا أو زوجة كانت صحيحة موقوفة على إجازة الورثة والزوج لا باطلة كالعتق ; لأنها هنا بعوض ، وبطلانها من الصبي والسفيه مبني على أنها عتق ، وأما على أنها بيع فتكون صحيحة متوقفا لزومها على إجازة وليهما ( و ) ندب لسيده ( حط جزء ) من أجزائها عنه وندب أن يكون ( آخرا ) [ ص: 389 ] من نجومها ليحصل به الاستعانة على العتق فالأولى للمصنف أن يقول وآخرا بالواو ليفيد أنه مندوب آخر ( ولم يجبر العبد عليها ) أي على الكتابة أي على قبول كتابة سيده له ( والمأخوذ منها ) أي من المدونة ( الجبر ) وقيل إذا جعل عليه سيده مثل خراجه والأولى أن يقول وأخذ منها الجبر ; لأنه كما أخذ منها الجبر أخذ منها عدمه وكلامه يفيد الحصر

التالي السابق


{ باب في الكتابة } ( قوله : والعبد التزم إلخ ) هذا تعليل لقوله أو من الكتب بمعنى الإلزام أي لأن العبد إلخ وكان الأنسب أن يقول : إن العبد ألزم نفسه أداء النجوم لسيده ( قوله : عتق على مال ) قال ابن مرزوق صوابه عقد يوجب عتقا على مال إلخ ; لأن الكتابة سبب في العتق لا نفسه ا هـ بن ( قوله : فقطاعة ) أي فهي مغايرة للكتابة ولذا قال في المدونة لا يجوز كتابة أم الولد ويجوز عتقها على مال معجل وقد كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم بعده قاله ابن التين وابن خزيمة وقول الرماني الكتابة إسلامية ولم تعرف في الجاهلية خلاف الصحيح قيل أول من كوتب في الإسلام أبو المؤمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم { أعينوا أبا المؤمل فأعين فقضى كتابته وفضلت عنده فضلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنفقها في سبيل الله } وقيل أول من كوتب في الإسلام سلمان الفارسي ثم بريرة انظر الزرقاني على الموطإ .

( قوله : ندب مكاتبة أهل التبرع بكل ماله إلخ ) أي ندب لمن هو أهل لأن يتبرع بكل ماله أو ببعضه أن يكاتب عبده فالأول هو الرشيد غير الزوجة والمريض والثاني الزوجة والمريض .

( قوله : وإلا تندب ) أي مكاتبته بل تباح فقط ، فإن قلت ظاهر قوله تعالى : { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } . يقتضي وجوبها إذا طلبها الرقيق قلت الأمر ليس للوجوب ; لأن الكتابة إما بيع أو عتق وكلاهما لا يجب والأمر جاء في القرآن لغير الوجوب قال تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } . والصيد بعد الإحلال لا يجب إجماعا وقال تعالى : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } . والانتشار والابتغاء لا يجبان بعد انقضاء الصلاة إجماعا فالأمر فيهما للإباحة وكذا قوله { فكاتبوهم } وذلك لأن الكتابة عقد غرر فالأصل أن لا تجوز فلما أذن المولى فيها للناس بقوله { فكاتبوهم } إلخ كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ولا يرد أنها مستحبة ; لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى كعموم قوله تعالى { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } .

( قوله : لا تندب مكاتبته ) أي ولو طلب الرقيق منه ذلك ( قوله وما وراء ذلك ) أي هل هي صحيحة أو باطلة شيء آخر ( قوله : أو زوجة ) أي في زائد الثلث ( قوله : كالعتق ) تشبيه في المنفي ( قوله : وأما على أنها بيع فتكون صحيحة ) أي كما أنها تصح من السكران بناء على أنها عتق لتشوف الشارع للحرية وتبطل منه بناء على أنها بيع على ما مر في باب البيع فالسكران على العكس من الصبي والسفيه واعلم أن ما ذكره الشارح من مساواة السفيه للصبي هو المعمول عليه كما لشيخنا وبن خلافا لما في عبق ( قوله : وندب أن يكون آخرا ) أشار الشارح إلى أن آخرا خبر لكان المحذوفة مع اسمها والأصل وحط جزء يكون آخرا ويصح جعله حالا من جزء ، وإن كان مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ قليلا أو تمييزا محمولا عن المفعول مفسرا [ ص: 389 ] لإجمال نسبة حط إلى جزء أي وحط السيد آخر جزء .

( قوله : ليحصل به ) أي بحط الجزء الأخير الاستعانة على العتق أي ; لأن به يخرج حرا بخلاف ما قبله من النجوم ، فإنه قد يعجز بعد حطه فيرق وأشار المصنف بقوله وندب إلخ لقوله تعالى : { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } . فقد أمر المولى سبحانه وتعالى الموالي أن يبذلوا لهم شيئا من أموالهم قال مالك سمعت من بعض أهل العلم أن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه ثم يحط عنه من آخر كتابته شيئا يسمى ، والأمر للندب عند مالك وجماعة ; لأن ذلك في معنى صدقة التطوع والإعانة على العتق ، وكل منهم لا يجب والوجوب عند بعضهم .

( قوله : ولم يجبر إلخ ) أي عند ابن القاسم وهو المشهور من المذهب وبه القضاء كما في بن وكان الأولى للمصنف أن يقول ولا يجبر بلا ; لأنه ليس الموضع للم وذلك ; لأن الفقيه إنما يتكلم على الأحكام المستقبلة لا الماضية إلا أن يقال : إنه عبر بلم نظرا لسابق تقرر الأحكام تأمل ( قوله : وقيل إذا جعل إلخ ) أي وقيل يجبر على الكتابة إذا جعل إلخ وهذا قول ثالث للخمي غير مأخوذ من المدونة ; لأن المأخوذ منها الجبر مطلقا كما في بن خلافا لما في عبق ( قوله : إذا جعل عليه سيده مثل خراجه ) أي مثل أجرته التي يقدر على تحصيلها في أجل الكتابة كما لو كاتبه على عشرين دينارا شهرا وكان العبد يقدر على الخدمة في كل شهر بدينار ، وأما إن جعل عليه أزيد من ذلك بكثير فليس له جبره عليها ; لأنه يتكلف مشقة ذلك ثم يعجز فيذهب سعيه باطلا ( قوله : لأنه كما أخذ منها إلخ ) والذي أخذ منها الجبر هو أبو إسحاق التونسي والذي أخذ منها عدم الجبر هو ابن رشد ومحل الخلاف إن لم يكن العبد غائبا كوتب مع حاضر وإلا لزمت الغائب اتفاقا ، وإن كره ذلك ففي المدونة ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب لزم العبد الغائب ، وإن كره ; لأن هذا الحاضر يؤدي عنه ( قوله : وكلامه يفيد الحصر ) أي لأن تعريف المبتدأ فاللام الجنس يفيد انحصاره في الخبر فالمعنى حينئذ المأخوذ منها إنما هو الجبر قال خش ولعل أخذ ابن رشد عدم الجبر منها لم يقو عند المصنف وإلا كان يقول : أخذ منها الجبر حتى لا ينافي أنه أخذ منها أيضا عدمه




الخدمات العلمية