الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع

          في قسمه - تعالى - بعظيم قدره

          قال الله - تعالى - : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ الحجر : 72 ] الآية . اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله - جل جلاله - بمدة حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأصله ضم العين ، من العمر ، ولكنها فتحت لكثرة الاستعمال ، ومعناه : وبقائك يا محمد ، وقيل : وعيشك ، وقيل : وحياتك ، وهذه نهاية التعظيم ، وغاية البر ، والتشريف .

          قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ما خلق الله - تعالى - ، وما ذرأ ، وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وما سمعت الله - تعالى - أقسم بحياة أحد غيره .

          وقال أبو الجوزاء : ما أقسم الله - تعالى - بحياة أحد غير محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لأنه أكرم البرية عنده .

          وقال - تعالى - : يس والقرآن الحكيم [ يس : 1 - 2 ] الآيتين . اختلف المفسرون في معنى يس على أقوال :

          فحكى أبو محمد مكي أنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لي عند ربي عشرة أسماء ذكر منها : " طه " ، و " يس " اسمان له .

          [ ص: 133 ] وحكى أبو عبد الرحمن السلمي ، عن جعفر الصادق أنه أراد : يا سيد ، مخاطبة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - . وعن ابن عباس : يس يا إنسان أراد محمدا - صلى الله عليه وسلم - . وقال : هو قسم ، وهو من أسماء الله - تعالى - .

          وقال الزجاج : قيل معناه : يا محمد ، وقيل : يا رجل ، وقيل : يا إنسان . وعن ابن الحنفية : يس : يا محمد .

          وعن كعب : يس : قسم أقسم الله - تعالى - به قبل أن يخلق السماء ، والأرض بألفي عام : يا محمد إنك لمن المرسلين . ثم قال : والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين [ يس : 2 - 3 ] . فإن قدر أنه من أسمائه - صلى الله عليه وسلم - ، وصح فيه أنه قسم كان فيه من التعظيم ما تقدم ، ويؤكد فيه القسم عطف القسم الآخر عليه ، وإن كان بمعنى النداء فقد جاء قسم آخر بعده لتحقيق رسالته ، والشهادة بهدايته : أقسم الله - تعالى - باسمه ، وكتابه إنه لمن المرسلين بوحيه إلى عباده ، وعلى صراط مستقيم من إيمانه أي طريق لا اعوجاج فيه ، ولا عدول عن الحق .

          قال النقاش : لم يقسم الله - تعالى - لأحد من أنبيائه بالرسالة في كتابه إلا له ، وفيه من تعظيمه ، وتمجيده على تأويل من قال : إنه يا سيد ما فيه .

          [ ص: 134 ] وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : أنا سيد ولد آدم ، ولا فخر وقال الله - تعالى - : لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد [ البلد 1 : 2 ] . قيل : لا أقسم به إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه ، حكاه مكي . وقيل : [ لا ] زائدة ، أي أقسم به ، وأنت به يا محمد حال . أو حل لك ما فعلت فيه على التفسيرين . والمراد بالبلد عند هؤلاء مكة .

          وقال الواسطي : أي نحلف لك بهذا البلد الذي شرفته بمكانك فيه حيا ، وببركتك ميتا يعني المدينة ، والأول أصح ، لأن السورة مكية ، وما بعده يصححه : قوله - تعالى - : حل بهذا البلد [ البلد : 2 ] . ونحوه قول ابن عطاء في تفسير قوله - تعالى - : وهذا البلد الأمين [ التين : 3 ] قال : أمنها الله - تعالى - بمقامه فيها ، وكونه بها ، فإن كونه أمان حيث كان . ثم قال : ووالد وما ولد [ البلد : 3 ] ، ومن قال : أراد آدم فهو عام ، ومن قال : هو إبراهيم ، وما ولد إن شاء الله تعالى إشارة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فتتضمن السورة القسم به - صلى الله عليه وسلم - في موضعين .

          وقال - تعالى - : الم ذلك الكتاب لا ريب فيه [ البقرة : 1 2 ] .

          قال ابن عباس : هذه الحروف أقسام أقسم الله - تعالى - بها . وعنه ، وعن غيره فيها غير ذلك .

          وقال سهل بن عبد الله التستري : الألف هو الله - تعالى - . واللام جبريل ، والميم محمد - صلى الله عليه وسلم - .

          وحكى هذا القول السمرقندي ، ولم ينسبه إلى سهل ، وجعل معناه : الله أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه ، وعلى الوجه الأول يحتمل القسم أن هذا الكتاب حق لا ريب فيه ، ثم فيه من فضيلة قران اسمه باسمه نحو ما تقدم .

          [ ص: 135 ] وقال ابن عطاء في قوله - تعالى - : ق والقرآن المجيد [ ق : 1 ] أقسم بقوة قلب حبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث حمل الخطاب ، والمشاهدة ، ولم يؤثر ذلك فيه لعلو حاله ، وقيل : هو اسم للقرآن وقيل : هو اسم لله - تعالى - ، وقيل : جبل محيط بالأرض ، وقيل غير هذا .

          وقال جعفر بن محمد في تفسير : والنجم إذا هوى [ النجم : 1 ] : إنه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقال : النجم قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - ، هوى انشرح من الأنوار ، وقال : انقطع عن غير الله .

          وقال ابن عطاء في قوله - تعالى - : والفجر وليال عشر [ الفجر : 1 - 2 ] الفجر : محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لأن منه تفجر الإيمان .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية