الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      فإذا اجتمع أهل العقد والحل للاختيار تصفحوا أحوال أهل الإمامة [ ص: 8 ] الموجودة فيهم شروطها فقدموا للبيعة منهم أكثرهم فضلا وأكملهم شروطا ومن يسرع الناس إلى طاعته ولا يتوقفون عن بيعته ، فإذا تعين لهم من بين الجماعة من أداهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه ، فإن أجاب إليها بايعوه عليها وانعقدت ببيعتهم له الإمامة فلزم كافة الأمة الدخول في بيعته والانقياد لطاعته ، وإن امتنع من الإمامة ولم يجب إليها لم يجبر عليها لأنها عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقيها .

                                      فلو تكافأ في شروط الإمامة اثنان قدم لها اختيارا أسنهما وإن لم تكن زيادة السن مع كمال البلوغ شرطا ، فإن بويع أصغرهما سنا جاز ; ولو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت ، فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدعى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق ، وإن كانت الحاجة إلى فضل العلم أدعى لسكون الدهماء وظهور أهل البدع كان الأعلم أحق ، فإن وقف الاختيار على واحد من اثنين فتنازعاها فقد قال بعض الفقهاء إن التنازع فيها لا يكون قدحا مانعا .

                                      وليس طلب الإمامة مكروها ، فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنها طالب ولا منع منها راغب ، واختلف الفقهاء فيما يقطع به تنازعهما مع تكافؤ أحوالهما ، فقالت طائفة : يقرع بينهما ويقدم من قرع منهما .

                                      وقال آخرون : بل يكون أهل الاختيار بالخيار في بيعة أيهما شاءوا من غير قرعة ، فلو تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضل الجماعة فبايعوه على الإمامة وحدث بعده من هو أفضل منه انعقدت ببيعتهم إمامة الأول ولم يجز العدول عنه إلى من هو أفضل منه ; ولو ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الأفضل نظر ، فإن كان ذلك لعذر دعا إليه من كون الأفضل غائبا أو مريضا أو كون المفضول أطوع في الناس وأقرب في القلوب انعقدت بيعة المفضول وصحت إمامته .

                                      وإن بويع لغير عذر فقد اختلف في انعقاد بيعته وصحت إمامته ; فذهبت طائفة منهم الجاحظ إلى أن بيعته لا تنعقد ; لأن الاختيار إذا دعا إلى أولى الأمرين لم يجز العدول عنه إلى غيره مما ليس بأولى كالاجتهاد في الأحكام الشرعية .

                                      وقال الأكثر من الفقهاء [ ص: 9 ] والمتكلمين تجوز إمامته وصحت بيعته ، ولا يكون وجود الأفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لم يكن مقصرا عن شروط الإمامة ، كما يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل ، لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار وليست معتبرة في شروط الاستحقاق ، فلو تفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد لم يشرك فيها غيره تعينت فيه الإمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه إلى غيره .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية