الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر مازن بن الغضوبة:

أخبرنا علي بن محمد الثعلبي ، أخبرنا محمد بن غسان بن غافل وغيره، قالا: أخبرنا علي بن الحسين الدمشقي، أخبرنا الشيخان أبو القاسم زاهر ، وأبو بكر وجيه ابنا طاهر بن محمد الشحاميان بنيسابور، قالا: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن الأزهري ، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أخبرنا أبو عمران موسى بن العباس الجويني ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله العماني، عن مازن بن الغضوبة، قال: كنت أسدن صنما بسمال، قرية بعمان، فعترنا ذات يوم عنده عتيرة، وهي الذبيحة فسمعنا صوتا من الصنم يقول: يا مازن اسمع تسر. ظهر خير وبطن شر. بعث نبي من مضر. بدين الله الكبر. فدع نحيتا من حجر. تسلم من حر سقر. قال: ففزعت لذلك، فقلت: إن في هذا لعجب: ثم عترت بعد أيام عتيرة فسمعت صوتا من الصنم يقول: أقبل إلي أقبل. تسمع ما لا يجهل. هذا نبي مرسل. جاء بحق منزل. فآمن به كي تعدل. عن حر نار تشعل. وقودها بالجندل. فقلت: إن هذا لعجب، وإنه لخير يراد بي، فبينا نحن كذلك إذ قدم رجل من أهل [ ص: 155 ] الحجاز قلنا: ما الخبر وراءك؟ قال: ظهر رجل يقال له أحمد، يقول لمن أتاه: أجيبوا داعي الله. فقلت: هذا نبأ ما سمعته، فثرت إلى الصنم فكسرته جذاذا، وركبت راحلتي فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشرح لي الإسلام، فأسلمت وقلت شعرا:


كسرت بادر أجذاذا وكان لنا ربا نطيف به ضلا بتضلال     بالهاشمي هدانا من ضلالتنا
ولم يكن دينه مني على بال     يا راكبا بلغن عمرا وإخوتها
أني لمن قال ربي بادر قال

يعني بعمرو: بني الصامت. وإخوتها: بني الخطامة.

قال مازن: فقلت: يا رسول الله، إني مولع بالطرب، وبشرب الخمر، وبالهلوك من النساء، وألحت علينا السنون فذهبن بالأموال وهزلن الذراري والعيال، وليس لي ولد، فادع الله أن يذهب عني ما أجد ويأتيني بالحيا، ويهب لي ولدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن، وبالحرام الحلال، وبالخمر ريا لا إثم فيه، وبالعهر عفة الفرج، وائته بالحيا، وهب له ولدا". قال مازن: فأذهب الله عني ما كنت أجد، وتعلمت شطر القرآن، وحججت حججا، وأخصبت عمان، ووهب الله لي حيان بن مازن، وأنشدت أقول:


إليك رسول الله خبت مطيتي     تجوب الفيافي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى     فيغفر لي ربي وأرجع بالفلج
إلى معشر خالفت في الله دينهم     فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي
وكنت امرأ بالزعب والخمر مولعا     شبابي حنى آذن الجسم بالنهج
فبدلني بالخمر خوفا وخشية     وبالعهر إحصانا فحصن لي فرجي
[ ص: 156 ] فأصبحت همي في الجهاد ونيتي     فلله ما صومي ولله ما حجي

التالي السابق


الخدمات العلمية