الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غمر ]

                                                          غمر : الغمر : الماء الكثير . ابن سيده وغيره : ماء غمر كثير مغرق بين الغمورة ، وجمعه غمار وغمور . وفي الحديث : مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر ؛ الغمر ، بفتح الغين وسكون الميم : الكثير أي يغمر من دخله ويغطيه . وفي الحديث : أعوذ بك من موت الغمر أي الغرق . ورجل غمر الرداء وغمر الخلق أي واسع الخلق كثير المعروف سخي ، وإن كان رداؤه صغيرا ، وهو بين الغمورة من قوم غمار وغمور ؛ قال كثير :


                                                          غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا غلقت لضحكته رقاب المال



                                                          وكله على المثل ، وبحر غمر . يقال : ما أشد غمورة هذا النهر ! وبحار غمار وغمور . وغمر البحر : معظمه ، وجمعه غمار وغمور ؛ وقد غمر الماء غمارة وغمورة ، وكذلك الخلق . وغمره الماء يغمره غمرا واغتمره : علاه وغطاه ؛ ومنه قيل للرجل : غمره القوم يغمرونه إذا علوه شرفا . وجيش يغتمر كل شيء : يغطيه ويستغرقه ، على المثل . والمغمور من الرجال : الذي ليس بمشهور . ونخل مغتمر : يشرب في الغمرة ؛ عن أبي حنيفة ؛ وأنشد قول لبيد في صفة نخل :


                                                          يشربن رفها عراكا غير صادرة     فكلها كارع في الماء مغتمر



                                                          وفي حديث معاوية : ولا خضت برجل غمرة إلا قطعتها عرضا ؛ الغمرة : الماء الكثير ؛ فضربه مثلا لقوة رأيه عند الشدائد ، فإن من خاض الماء فقطعه عرضا ليس كمن ضعف واتبع الجرية حتى يخرج بعيدا من الموضع الذي دخل فيه . أبو زيد : يقال للشيء إذا كثر : هذا كثير غمير . والغمر : الفرس الجواد . وفرس غمر : جواد كثير العدو واسع الجري ؛ قالالعجاج :


                                                          غمر الأجاري مسحا مهرجا



                                                          والغمرة : الشدة . وغمرة كل شيء : منهمكه وشدته كغمرة الهم والموت ونحوهما . وغمرات الحرب والموت ؛ وغمارها : شدائدها ؛ قال :


                                                          وفارس في غمار الموت منغمس     إذا تألى على مكروهة صدقا



                                                          وجمع الغمرة غمر مثل نوبة ونوب ؛ قال القطامي يصف سفينة نوح ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، ويذكر قصته مع قومه ويذكر الطوفان :


                                                          ونادى صاحب التنور نوح     وصب عليهم منه البوار
                                                          وضجوا عند جيئته وفروا     ولا ينجي من القدر الحذار
                                                          وجاش الماء منهمرا إليهم     كأن غثاءه خرق تسار
                                                          وعامت وهي قاصدة بإذن     ولولا الله جار بها الجوار
                                                          إلى الجودي حتى صار حجرا     وحان لتالك الغمر انحسار
                                                          فهذا فيه موعظة وحكم     ولكني امرؤ في افتخار



                                                          الحجر : الممنوع الذي له حاجز ؛ قال ابن سيده : وجمع السلامة أكثر . وشجاع مغامر : يغشى غمرات الموت . وهو في غمرة من لهو وشبيبة وسكر ، كله على المثل . وقوله تعالى : فذرهم في غمرتهم حتى حين قال الفراء أي في جهلهم . وقال الزجاج : وقرئ في غمراتهم أي في عمايتهم وحيرتهم ؛ وكذلك قوله تعالى : بل قلوبهم في غمرة من هذا يقول : بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا . وقال القتيبي : أي في غطاء وغفلة . والغمرة : حيرة الكفار . وقال الليث : الغمرة منهمك الباطل ، ومرتكض الهول غمرة الحرب . ويقال : هو يضرب في غمرة اللهو ، ويتسكع في غمرة الفتنة ، وغمرة الموت : شدة همومه ؛ قال ذو الرمة :


                                                          كأنني ضارب في غمرة لعب



                                                          أي سابح في ماء كثير . وفي حديث القيامة : فيقذفهم في غمرات جهنم أي المواضع التي تكثر فيها النار . وفي حديث أبي طالب : [ ص: 82 ] وجدته في غمرات من النار ، واحدتها غمرة . والمغامر والمغمر : الملقي بنفسه في الغمرات . والغمرة : الزحمة من الناس والماء ، والجمع غمار . وفي حديث أويس : أكون في غمار الناس أي جمعهم المتكاثف . وفي حديث أبي بكر ، رضي الله عنه : أما صاحبكم فقد غامر أي خاصم غيره ، ومعناه دخل في غمرة الخصومة ، وهي معظمها . والمغامر : الذي رمى بنفسه في الأمور المهلكة ، وقيل : هو من الغمر ، بالكسر ، وهو الحقد أي حاقد غيره ، وفي حديث خيبر :


                                                          شاكي السلاح بطل مغامر



                                                          أي مخاصم أو محاقد . وفي حديث الشهادة : ولا ذي غمر على أخيه أي ضغن وحقد . وغمرة الناس والماء ، وغمرهم وغمارهم وغمارهم : جماعتهم ولفيفهم وزحمتهم . ودخلت في غمار الناس وغمارهم يضم ويفتح ، وخمارهم وخمارهم وغمرهم وخمرهم أي في زحمتهم وكثرتهم . واغتمر في الشيء : اغتمس . والاغتمار : الاغتماس . والانغمار : الانغماس في الماء . وطعام مغتمر إذا كان بقشره . والغمير : شيء يخرج في البهمى في أول المطر رطبا في يابس ، ولا يعرف الغمير في غير البهمى . قال أبو حنيفة : الغمير حب البهمى الساقط من سنبله حين ييبس ، وقيل : الغمير ما كان في الأرض من خضرة قليلا إما ريحة وإما نباتا . وقيل : الغمير النبت ينبت في أصل النبت حتى يغمره الأول ، وقيل : هو الأخضر الذي غمره اليبيس يذهبون إلى اشتقاقه ، وليس بقوي ، والجمع أغمراء . أبو عبيدة : الغميرة الرطبة والقت اليابس والشعير تعلفه الخيل عند تضميرها . الجوهري : الغمير نبات قد غمره اليبيس ؛ قال زهير يصف وحشا :


                                                          ثلاث كأقواس السراء وناشط     قد اخضر من لس الغمير جحافله



                                                          وفي حديث عمرو بن حريث : أصابنا مطر ظهر منه الغمير ، بفتح الغين وكسر الميم ، هو نبت البقل عن المطر بعد اليبس ، وقيل : هو نبات أخضر قد غمر ما قبله من اليبيس . وفي حديث قس : وغمير حوذان ، وقيل : هو المستور بالحوذان لكثرة نباته . وتغمرت الماشية : أكلت الغمير . وغمره : علاه بفضله وغطاه . ورجل مغمور : خامل . وفي حديث صفته : إذا جاء مع القوم غمرهم أي كان فوق كل من معه ؛ وفي حديث حجير : إني لمغمور فيهم أي لست بمشهور كأنهم قد غمروه ؛ وفي حديث الخندق : حتى أغمر بطنه أي وارى التراب جلده وستره ؛ وفي حديث مرضه : أنه اشتد به حتى غمر عليه أي أغمي عليه حتى كأنه غطي على عقله وستر . والغمر ، بالكسر : العطش ؛ قال العجاج :


                                                          حتى إذا ما بلت الأغمارا



                                                          والغمر : قدح صغير يتصافن به القوم في السفر إذا لم يكن معهم من الماء إلا يسير على حصاة يلقونها في إناء ، ثم يصب فيه من الماء قدر ما يغمر الحصاة ، فيعطاها كل رجل منهم . وفي الحديث : أنه كان في سفر فشكي إليه العطش ، فقال : أطلقوا لي غمري أي ائتوني به ، وقيل : الغمر أصغر الأقداح ؛ قال أعشى باهلة يرثي أخاه المنتشر بن وهب الباهلي :


                                                          يكفيه حزة فلذ إن ألم بها     من الشواء ويروي شربه الغمر



                                                          وقيل : الغمر القعب الصغير . وفي الحديث : لا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا علي أول الدعاء وأوسطه وآخره ؛ الغمر ، بضم الغين وفتح الميم : القدح الصغير ؛ أراد أن الراكب يحمل رحله وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله ثم يعلقه على رحله كالعلاوة فليس عنده بمهم ، فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الذي لا يقدم في المهام ويجعل تبعا . ابن شميل : الغمر يأخذ كيلجتين أو ثلاثا ، والقعب أعظم منه وهو يروي الرجل ، وجمع الغمر أغمار . وتغمرت أي شربت قليلا من الماء ؛ قال العجاج :


                                                          حتى إذا ما بلت الأغمارا     ريا ولما يقصع الإصرارا



                                                          وفي الحديث : أما الخيل فغمروها وأما الرجال فأرووهم ؛ وقال الكميت :


                                                          بها نقع المغمر والعذوب



                                                          المغمر : الذي يشرب في الغمر إذا ضاق الماء . والتغمر الشرب بالغمر ، وقيل : التغمر أقل الشرب دون الري ، وهو منه . ويقال : تغمرت من الغمر ، وهو القدح الصغير . وتغمر البعير : لم يرو من الماء ، وكذلك العير ، وقد غمره الشرب ؛ قال :

                                                          ولست بصادر عن بيت جاري صدور العير غمره الورود

                                                          قال ابن سيده : وحكى ابن الأعرابي : غمره أصحنا : سقاه إياها ، فعداه إلى مفعولين . وقال أبو حنيفة : الغامرة النخل التي لا تحتاج إلى السقي ، قال : ولم أجد هذا القول معروفا . وصبي غمر وغمر وغمر وغمر ومغمر : لم يجرب الأمور بين الغمارة من قوم أغمار ، وقد غمر ، بالضم ، يغمر غمارة ؛ وكذلك المغمر من الرجال إذا استجهله الناس ، وقد غمر تغميرا . وفي حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن اليهود قالوا للنبي ، صلى الله عليه وسلم : لا يغرك أن قتلت نفرا من قريش أغمارا ؛ الأغمار جمع غمر ، بالضم ، وهو الجاهل الغر الذي لم يجرب الأمور ؛ قال ابن سيده : ويقتاس من ذلك لكل من لا غناء عنده ولا رأي . ورجل غمر وغمر : لا تجربة له بحرب ولا أمر ولم تحنكه التجارب ؛ وقد روي بيت الشماخ :


                                                          لا تحسبني وإن كنت امرأ غمرا     كحية الماء بين الصخر والشيد



                                                          قال ابن سيده : فلا أدري أهو إتباع أم لغة ؛ وهم الأغمار . وامرأة غمرة : غر . وغامره أي باطشه وقاتله ولم يبال الموت . قال أبو عمرو : رجل مغامر إذا كان يقتحم المهالك . والغمرة : تطلى به العروس يتخذ من الورس . قال أبو العميثل : الغمرة والغمنة واحد . قال أبو سعيد : هو تمر ولبن يطلى به وجه المرأة ويداها حتى ترق بشرتها ، وجمعها الغمر والغمن ؛ وقال ابن سيده في موضع آخر : والغمرة والغمر الزعفران ، وقيل : الورس ، وقيل : الجص ، وقيل : الكركم . وثوب مغمر : مصبوغ بالزعفران . وجارية [ ص: 83 ] مغمرة : مطلية . ومغتمرة ومتغمرة : متطلية . وقد غمرت المرأة وجهها تغميرا أي طلت به وجهها ليصفو لونها ، وتغمرت مثله وغمر فلان جاريته . والغمر ، بالتحريك : السهك وريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه . وقد غمرت يده من اللحم غمرا ، فهي غمرة أي زهمة ، كما تقول من السهك : سهكة ؛ ومنه منديل الغمر ، ويقال لمنديل الغمر : المشوش . وفي الحديث : من بات وفي يده غمر ؛ هو الدسم ، بالتحريك ، وهو الزهومة من اللحم كالوضر من السمن . والغمر والغمر : الحقد والغل ، والجمع غمور . وقد غمر صدره علي ، بالكسر ، يغمر غمرا وغمرا . ‌‌‌والغامر من الأرض والدور : خلاف العامر . وقال أبو حنيفة : الغامر من الأرض كلها ما لم يستخرج حتى يصلح للزرع والغرس ، وقيل : الغامر من الأرض ما لم يزرع مما يحتمل الزراعة ، وإنما قيل له غامر لأن الماء يبلغه فيغمره ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، كقولهم : سر كاتم وماء دافق ، وإنما بني على فاعل ليقابل به العامر ، وما لا يبلغه الماء من موات الأرض لا يقال له غامر . قال أبو عبيد : المعروف في الغامر المعاش الذي أهله بخير ، قال : والذي يقول الناس : إن الغامر الأرض التي لم تعمر ، لا أدري ما هو ، قال : وقد سألت عنه فلم يبينه لي أحد ؛ يريد قولهم العامر والغامر . وفي حديث عمر ، رضي الله عنه : أنه مسح السواد عامره وغامره ، فقيل : إنه أراد عامره وخرابه ، وفي حديث آخر : أنه جعل على كل جريب عامر أو غامر درهما وقفيزا ، وإنما فعل عمر ، رضي الله عنه ، ذلك لئلا يقصر الناس في المزارعة . قال أبو منصور : قيل للخراب غامر لأن الماء قد غمره فلا تمكن زراعته أو كبسه الرمل والتراب ، أو غلب عليه النز فنبت فيه الأباء والبردي فلا ينبت شيئا ، وقيل له غامر لأنه ذو غمر من الماء وغيره للذي غمره ، كما يقال : هم ناصب أي ذو نصب ؛ قال ذو الرمة :


                                                          ترى قورها يغرقن في الآل مرة     وآونة يخرجن من غامر ضحل



                                                          أي من سراب قد غمرها وعلاها .

                                                          والغمر وذات الغمر وذو الغمر : مواضع ، وكذلك الغمير ؛ قال :


                                                          هجرتك أياما بذي الغمر إنني     على هجر أيام بذي الغمر نادم



                                                          وقال امرؤ القيس :


                                                          كأثل من الأعراض من دون بئشة     ودون الغمير عامدات لغضورا



                                                          وغمر وغمير وغامر : أسماء . وغمرة : موضع بطريق مكة ؛ قال الأزهري : هو منزل من مناهل طريق مكة ، شرفها الله تعالى ، وهو فصل ما بين نجد وتهامة . وفي الحديث ذكر غمر ، بفتح الغين وسكون الميم ، بئر قديمة ب مكة حفرها بنو سهم . والمغمور : المقهور . والمغمور : الممطور . وليل غمر : شديد الظلمة ؛ قال الراجز يصف إبلا :


                                                          يجتبن أثناء بهيم غمر     داجي الرواقين غداف الستر



                                                          وثوب غمر إذا كان ساترا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية