الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أن سودة خشيت أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: يا رسول الله لا تطلقني ، وأمسكني ، واجعل يومي لعائشة ، ففعل ، فنزلت هذه الآية ، رواه عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 217 ] والثاني: أن بنت محمد بن مسلمة كانت تحت رافع بن خديج ، فكره منها أمرا ، إما كبرا ، وإما غيرة ، فأراد طلاقها ، فقالت: لا تطلقني ، واقسم لي ما شئت ، فنزلت هذه الآية ، رواه الزهري عن سعيد بن المسيب . قال مقاتل: واسمها خويلة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: قد ذكرناه عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في نزول الآية التي قبلها . وقالت عائشة: نزلت في المرأة تكون عند الرجل ، فلا يستكثر منها ويريد فراقها ، ولعلها تكون له محبة أو يكون لها ولد فتكره فراقه ، فتقول له: لا تطلقني وأمسكني ، وأنت في حل من شأني . رواه البخاري ، ومسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 218 ] وفي خوف النشوز قولان . أحدهما: أنه العلم به عند ظهوره .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: الحذر من وجوده لأماراته . قال الزجاج : والنشوز من بعل المرأة: أن يسيء عشرتها ، وأن يمنعها نفسه ونفقته . وقال أبو سليمان: نشوزا ، أي: نبوا عنها إلى غيرها ، وإعراضا عنها ، واشتغالا بغيرها .

                                                                                                                                                                                                                                      فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر: يصالحا بينهما بفتح الياء ، والتشديد . والأصل: "يتصالحا" ، فأدغمت التاء في الصاد . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي: "يصلحا" بضم الياء ، والتخفيف . قال المفسرون: والمعنى: أن يوقعا بينهما أمرا يرضيان به ، وتدوم بينهم الصحبة ، مثل أن تصبر على تفضيله . وروي عن علي ، وابن عباس: أنهما أجازا لهما أن يصطلحا على ترك بعض مهرها ، أو بعض أيامها ، بأن يجعله لغيرها . وفي قوله: والصلح خير قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: خير من الفرقة ، قاله مقاتل ، والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: خير من النشوز والإعراض ، ذكره الماوردي . قال قتادة: متى ما رضيت بدون ما كان لها ، واصطلحا عليه ، جاز ، فإن أبت لم يصلح أن يحبسها على الخسف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وأحضرت الأنفس الشح "أحضرت" بمعنى: ألزمت . و "الشح": الإفراط في الحرص على الشيء . وقال ابن فارس: "الشح": البخل مع الحرص ، وتشاح الرجلان على الأمر: لا يريدان أن يفوتهما . وفيمن يعود إليه هذا الشح من الزوجين قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: المرأة ، فتقديره: وأحضرت نفس المرأة الشح بحقها من زوجها ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير . [ ص: 219 ] والثاني: الزوجان جميعا ، فالمرأة تشح على مكانها من زوجها ، والرجل يشح عليها بنفسه إذا كان غيرها أحب إليه ، هذا قول الزجاج . وقال ابن زيد: لا تطيب نفسه أن يعطيها شيئا فتحلله ، ولا تطيب نفسها أن تعطيه شيئا من مالها ، فتعطفه عليها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإن تحسنوا فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: بالصبر على التي يكرهها . والثاني: بالإحسان إليها في عشرتها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وتتقوا يعني: الجور عليها فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية