الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      يحيى بن وثاب ( 4 )

                                                                                      الإمام القدوة المقرئ ، الفقيه ، شيخ القراء ، الأسدي الكاهلي ، مولاهم ، الكوفي ، أحد الأئمة الأعلام . قد ذكرته في " طبقات القراء " .

                                                                                      قال أبو نعيم الحافظ : اسم أبيه وثاب بزدويه بن ماهويه ، سباه مجاشع بن مسعود السلمي من قاشان ، إذ افتتحها ، وكان وثاب من أبناء أشرافها ، ثم وقع في سهم ابن عباس ، فسماه وثابا ، وتزوج فولد له يحيى ، ثم استأذن ابن عباس في الرجوع إلى قاشان ، فأذن له ، فدخل هو وابنه يحيى الكوفة ، فقال يحيى : يا أبت إني آثرت العلم على المال ، فأذن له في المقام . فأقبل على [ ص: 380 ] القرآن ، وتلا على أصحاب علي وابن مسعود ، حتى صار أقرأ أهل زمانه . فأورث وثاب عقبه ، فحازوا رئاسة الدارين ; لأن يحيى فاق نظراءه في القرآن والآثار ، وفاق خالد بن وثاب وولداه : أزهر ومخلد ، في رئاسة الدنيا والولايات .

                                                                                      واتصلت رئاسة عقبه إلى أيامنا بأصبهان ; ولهم الصيت والذكر في الثروة والتناية ، والحظ الجسيم من الجلالة والنباهة .

                                                                                      قلت : حدث عن ابن عباس ، وابن عمر ، وروى مرسلا عن عائشة ، وأبي هريرة ، وابن مسعود . وروى أيضا عن ابن الزبير ، ومسروق وعلقمة ، وزر ، والأسود بن يزيد ، وعبيدة السلماني ، وأبي عمرو الشيباني .

                                                                                      وقال أبو عمرو الداني : أخذ يحيى بن وثاب القراءة عرضا عن علقمة ، ومسروق ، والأسود ، والشيباني ، والسلمي .

                                                                                      قلت : الثبت أنه قرأ القرآن كله على عبيد بن نضيلة صاحب علقمة ، فتحفظ عليه كل يوم آية .

                                                                                      قال أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، قال : تعلم يحيى بن وثاب من عبيد آية آية ، وكان - والله - قارئا .

                                                                                      قلت : قرأ عليه الأعمش ، وطلحة بن مصرف ، وأبو حصين ، وحمران بن أعين ، وطائفة .

                                                                                      وحدث عنه عاصم ، وأبو العميس عتبة المسعودي وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو إسحاق الشيباني ، وقتادة ، وحبيب بن أبي ثابت ، والأعمش ، وعدة .

                                                                                      قال عطاء بن مسلم : كان الأعمش يقول : حدثني يحيى بن وثاب ، [ ص: 381 ] وكنت إذا رأيته قد جثا ، قلت : هذا وقف للحساب ، فيقول : أي رب ، أذنبت كذا ، فعفوت عني ، فلا أعود ، وأذنبت كذا ، فعفوت عني ، فلا أعود .

                                                                                      يحيى بن عيسى الرملي ، عن الأعمش ، قال : كان يحيى بن وثاب من أحسن الناس قراءة ، ربما اشتهيت أن أقبل رأسه من حسن قراءته ، وكان إذا قرأ لا تسمع في المسجد حركة ، كأن ليس في المسجد أحد .

                                                                                      حميد بن عبد الرحمن : حدثنا أبي عن الأعمش ، كان يحيى إذا قضى صلاته مكث مليا تعرف فيه كآبة الصلاة .

                                                                                      قال أحمد العجلي : هو تابعي ثقة ، مقرئ يؤم قومه . وقد أمر الحجاج أن لا يؤم بالكوفة إلا عربي ، واستثنى يحيى بن وثاب . فصلى بهم يوما ، ثم ترك .

                                                                                      قال عبيد الله بن موسى : كان الأعمش يقول : يحيى بن وثاب أقرأ من بال على تراب .

                                                                                      قال يحيى بن آدم : سمعت الحسن بن صالح يقول : قرأ يحيى على علقمة ، وقرأ علقمة على ابن مسعود ، فأي قراءة أفضل من هذه !

                                                                                      قال مخلد بن خداش : سمعت الأعمش يقول : ما رأيت أحدا بال في التراب ، أقرأ من يحيى بن وثاب .

                                                                                      قال الهيثم بن عدي وغيره : مات يحيى بن وثاب سنة ثلاث ومائة .

                                                                                      روى جماعة عن أبي إسحاق ، عن يحيى ، عن ابن عمر حديث : " من راح إلى الجمعة فليغتسل " .

                                                                                      [ ص: 382 ] هذا حسن نظيف الإسناد .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية