الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        214 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : { أن رجلا قال يا رسول الله ، ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا يلبس القمص ، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرانس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس } . وللبخاري { ولا تنتقب المرأة . ولا تلبس القفازين } .

                                        التالي السابق


                                        فيه مسائل . الأولى : أنه وقع السؤال عما يلبس المحرم . فأجيب بما لا يلبس ; لأن ما لا يلبس محصور . وما يلبس غير محصور . إذ الإباحة هي الأصل . وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي وضع السؤال عما لا يلبس . وفيه دليل على أن المعتبر [ ص: 435 ] في الجواب : ما يحصل منه المقصود كيف كان . ولو بتغيير أو زيادة .

                                        ولا تشترط المطابقة .

                                        الثانية : اتفقوا على المنع من لبس ما ذكر في الحديث . والفقهاء القياسيون عدوه إلى ما رأوه في معناه . فالعمائم والبرانس : تعدى إلى كل ما يغطي الرأس ، مخيطا أو غيره . ولعل " العمائم " تنبيه على ما يغطيها من غير المخيط ، و " البرانس " تنبيه على ما يغطيها من المخيط . فإنه قيل : إنها قلانس طوال كان يلبسها الزهاد في الزمان الأول . والتنبيه بالقمص على تحريم المحيط بالبدن ، وما يساويه من المنسوج . والتنبيه بالخفاف والقفازين - وهو ما كانت النساء تلبسه في أيديهن - وقيل : إنه كان يحشى بقطن ويزر بأزرار . فنبه بهما على كل ما يحيط بالعضو الخاص إحاطة مثله في العادة . ومنه السراويلات ، لإحاطتها بالوسط إحاطة المحيط . .



                                        الثالثة : إذا لم يجد نعلين لبس خفين مقطوعين من أسفل الكعبين . وعند الحنبلية لا يقطعهما . وهذا الحديث يدل على خلاف ما قالوه . فإن الأمر بالقطع ههنا مع إتلافه المالية يدل على خلاف ما قالوه .



                                        الرابعة : اللبس عند الفقهاء : محمول على اللبس المعتاد في كل شيء مما ذكر . فلو ارتدى بالقميص لم يمنع منه ; لأن اللبس المعتاد في القميص غير الارتداء . واختلفوا في القباء إذا لبس من غير إدخال اليدين في الكمين . ومن أوجب الفدية : جعل ذلك من المعتاد فيه أحيانا . واكتفى في التحريم فيه بذلك . .



                                        الخامسة : لفظ " المحرم " يتناول من أحرم بالحج والعمرة معا . و " الإحرام " الدخول في أحد النسكين ، والتشاغل بأعمالهما . وقد كان شيخنا العلامة أبو محمد بن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة " الإحرام " جدا . ويبحث فيه كثيرا . وإذا قيل له : إنه النية ، اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره . ويعترض على أنه " التلبية " بأنها ليست [ ص: 436 ] بركن . والإحرام ركن . هذا أو ما قرب منه . وكان يحرم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء . .



                                        السادسة : المنع من " الزعفران والورس " وهو نبت يكون باليمن يصبغ به : دليل على المنع من أنواع الطيب . وعداه القائسون إلى ما يساويه في المعنى من المطيبات . وما اختلفوا فيه فاختلافهم بناء على أنه من الطيب أم لا ؟ .



                                        السابعة : نهي المرأة عن التنقب والقفازين يدل على أن حكم إحرام المرأة يتعلق بوجهها وكفيها . والسر في ذلك ، وفي تحريم المخيط وغيره مما ذكر - والله أعلم - مخالفة العادة ، والخروج من المألوف لإشعار النفس بأمرين :

                                        أحدهما : الخروج عن الدنيا ، والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط .

                                        والثاني : تنبيه النفس على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها ، والمحافظة على قوانينها وأركانها ، وشروطها وآدابها . والله أعلم . .




                                        الخدمات العلمية