الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 5 ] 603 - باب بيان مشكل ما رواه عياض بن حمار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله عز وجل قال : إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل عليهم به سلطانا .

3875 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا عمر بن عمران السدوسي ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير .

عن عياض بن حمار ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : إن الله عز وجل أمرني أن أعلمكم ما جهلتم من دينكم يومكم هذا ، وإن كل مال نحلته عبدي فهو له حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنه أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، فحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به عليهم سلطانا .

[ ص: 6 ]

3876 - وحدثنا مالك بن يحيى الهمداني ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد بن أبي عروبة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3877 - وحدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن أبي داود جميعا ، قالا : حدثنا أبو عمر الحوضي ، قال : حدثنا همام بن يحيى ( ح ) وكما حدثنا يزيد وأحمد بن أبي داود ، جميعا قالا : حدثنا هدبة بن خالد ، قال : حدثنا همام ، ثم اجتمعوا جميعا فقالوا : حدثنا قتادة ، قال : حدثني العلاء بن [ ص: 7 ] زياد ويزيد أخو مطرف ورجلان آخران نسي همام أسماءهما أن مطرفا حدثهم .

أن عياض بن حمار حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته ، ثم ذكروا مثله ..

3878 - وحدثنا أحمد بن داود ، قال : حدثنا علي بن عبد الله بن هارون ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني أبي - قال أبو جعفر : وأبو أبيه هذا : هارون بن أبي عيسى قد روى ، عن محمد بن إسحاق - قال : وحدثني ثور بن يزيد ، عن يحيى بن جابر ، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي قال : وكان عبد الرحمن من حملة العلم يطلبه من أصحاب [ ص: 8 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب أصحابه أنه حدثه . عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما : ألا أحدثكم بما حدثني الله عز وجل في الكتاب ؟ إن الله عز وجل خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه ، فمن شاء اقتنى ومن شاء احترث ، فجعلوا مما أعطاهم الله عز وجل حلالا وحراما وعبدوا الطواغيت ، فأمرني الله عز وجل أن آتيهم فأبين لهم الذي جبلهم عليه ، فقلت لربي عز وجل أخاطبه : تثلغ قريش رأسي كما تثلغ الخبزة ، فقال لي : امضه أمضك ، وأنفق أنفق عليك ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك ; فإني سأجعل مع كل جيش عشرة أمثالهم من الملائكة ، ونافخ في صدور عدوك الرعب ، ومعطيك كتابا لا يمحوه الماء ، أذكركه نائما ويقظانا ، فانصروني ، وقريش هذه فإنهم قد دموا وجهي وسلبوني أهلي وأنا باديهم ، فإن أغلبهم يأتوا ما دعوتهم إليه طائعين أو كارهين ، وإن يغلبوني فاعلموا أني لست على شيء ولا أدعوكم إلى شيء ..

[ ص: 9 ] [ ص: 10 ] قال : وقد كان مكحول يضارع حديث عبد الرحمن بن عائذ ، عن عياض بن حمار .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على المراد بما فيه إن شاء الله ، فوجدنا الحنف في كلام العرب هو الميل ، ومنه قيل لصاحب القدم المائلة إلى ناحية : أحنف ، وكان الجمع للحنيف حنفاء ، فقيل من أجل ذلك ما قد قيل في هذا الحديث : إنهم مخلوقون حنفاء ، أي : ميلا إلى ما خلقوا له ، وهو ما ذكره الله عز وجل في قوله : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وكانوا بذلك حنفاء ، وكان في خلقه إياهم أن كتب بعضهم سعيدا وكتب بعضهم شقيا على ما في الآثار المذكورة في الباب الذي قبل هذا الباب ، وكان الشقي منهم من أطاع الشياطين فيما دعته إليه على ما في حديث عياض هذا ، والسعيد من خالف عليهم وتمسك بما خلقه الله عز وجل له من العبادة له ، وترك الميل إلى سواه ، وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية .

ما قد حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال : حدثنا عبد الله بن سالم ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء .

عن ابن عباس في قوله عز وجل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [ ص: 11 ] قال : على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي .

قال أبو جعفر : وكان في ذلك من تأويل ابن عباس ما قد دل على أن الخلق من الله عز وجل لعباده هو على ما كتب فيهم من طاعته ومعصيته وشقوته وسعادته ، لا يخرجون عن ذلك إلى غيره ، وإن كانت أعمالهم السعيدة كانت باختيارهم لها ، وأعمالهم التي تخالف ذلك كانت باختيارهم لها ، فكانت سعادتهم بأعمالهم المحمودة منهم وشقاوتهم لأعمالهم المذمومة منهم ، وكل ذلك مما قد تقدم من الله عز وجل فيهم أنهم سيعملون تلك الأعمال فيسعدون بها أو يشقون بها ، فعاد حديث عياض هذا والأحاديث التي ذكرناها قبله في الباب الذي قبل هذا الباب إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضا ولا يخالف بعضها بعضا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية