الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن باع الجبن أو الأقط أو المصل أو اللبأ بعضه ببعض لم يجز ; لأن أجزاءها منعقدة ، ويختلف انعقادها ; ولأن فيها ما يخالطه الملح والإنفحة ، وذلك يمنع التماثل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) الأحكام المذكورة جزم بها الشيخ أبو حامد رأس العراقيين والقاضي حسين رأس المراوزة وغيرهما ، والثلاثة الأولى جزم بها المحاملي والرافعي والقاضي حسين والبغوي ، وعلة انعقاد أجزائه بالنار شاملة لجميعها ، واللبأ وغيره ، وكذلك علة مخالطتها لغيرها ففي الجبن الإنفحة ، وفي الأقط الملح ، وفي المصل الدقيق ، وأما اللبأ فليس إلا التأثر بالنار ، وكذلك حكى الإمام عن شيخه أنه ذكر أن أثر النار قريب ، وهو مشبه بالسكر في المعقودات ، وكذلك قال الرافعي : إن في بيع اللبأ باللبأ وجهين كما [ ص: 459 ] في السكر بالسكر ، وما ذكره الإمام في تفسير اللبأ يحتاج إلى قيد آخر ، وهو أن يكون محلوبا عقيب الولادة بحسب ما نعرفه في بلادنا ، ولعل ذلك مراد الإمام من قوله : أول الحلبة من الدرة الأولى ، ونقل العجلي عن صاحب المعتمد أنه قال : لو دق المصل حتى أمكن كيله يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وباللبن ، ولعل مراده بالمصل ما لا دقيق فيه ، أما إذا فرض فيه الدقيق فيمتنع ولا يتجه فيه الجواب والله أعلم .

                                      وفي البحر أن بيع المصل بالمصل إنما لا يجوز ; لأنه لا يمكن كيلها ، فإن دقا جميعا حتى أمكن الكيل يجب أن يجوز بيع بعضه ببعض وبيعه باللبن أيضا ، قال : وهذا عندي إذا لم يخالطه ملح ، فإن خالطه ملح فلا يجوز على ما ذكرنا بلا خلاف ، وادعى الإمام الاتفاق على امتناع بيع الجبن بالجبن ، وقال الماوردي : إن الجبن بالجبن لا يجوز ، واختلف أصحابنا في العلة المانعة فقال ابن سريج : لأن أصله الكيل وهو متعذر ، وقال غيره : ; لأن فيه الإنفحة يجمد بها فتمنع من التماثل ، فعلى هذا لو دق الجبن حتى صار فتيتا وصار ناعما جاز بيع بعضه ببعض ، على قول ابن سريج ، لإمكان كيله ، ولم يجز على قول غيره لبقاء الإنفحة فيه والله أعلم .

                                      قال الإمام : وأجمع الأصحاب على منع بيع الأقط بالأقط ، وذلك أنه إن كان مختلطا بملح كثير يظهر له مقدار ، التحق ببيع المختلط ، وإن لم يكن فيه ملح فهو معروض على النار ، وللنار فيه تأثير عظيم . فيلتحق الكلام فيه بالمنعقد . ولم يفصلوا بين أن يكون عقده بالنار أو الشمس الحامية ( قلت : ) إذا كان عقده بالشمس الحامية ولا ملح فيه فقد تقدم عن الإمام في العسل إذا شمس كذلك بشمس الحجاز . وبحث وقال : إن النار تؤثر تأثيرا مستويا ، فهلا قال ذلك هنا ، وجوز على مساقه بيع بعضه ببعض كالعسل ، إلا أن يقول : إن الكلام هنا في المنعقد ، ولا فرق في سببه بين النار والشمس إذا وجد الانعقاد والكلام هنا في التصفية بدون الانعقاد .




                                      الخدمات العلمية