الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في العربان

                                                                      3502 حدثنا عبد الله بن مسلمة قال قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكارى الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك

                                                                      التالي السابق


                                                                      33 - باب في العربان

                                                                      بضم العين وسكون الراء ، ويقال عربون بالفتح والضم وبالهمز بدل العين في الثلاث والراء ساكنة في الكل .

                                                                      قال ابن الأثير : قيل سمي بذلك لأن فيه إعرابا لعقد البيع ؛ أي إصلاحا وإزالة فساد لئلا يملكه غيره باشترائه . قاله الزرقاني .

                                                                      وقال في المجمع : هو أن يشتري أي السلعة ويدفع شيئا على أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن ، وإلا كان للبائع ولم يرتجعه ، أعرب في كذا وعرب وعربن وهو عربان وعربون لأن فيه إعرابا بالبيع أي إصلاحا لئلا يملكه غيره بالشراء وهو بيع باطل لما فيه من الشرط والغرر انتهى .

                                                                      ( أنه بلغه ) : ولفظ الموطأ : مالك عن الثقة عنده .

                                                                      قال الحافظ الإمام ابن عبد البر : تكلم الناس في الثقة هنا والأشبه القول بأنه الزهري عن ابن لهيعة أو ابن وهب عن ابن لهيعة لأنه سمعه من عمرو وسمعه منه ابن وهب وغيره انتهى .

                                                                      وقال في الاستذكار : الأشبه أنه ابن لهيعة ثم أخرجه من طريق ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن لهيعة عن عمرو به .

                                                                      وقال : رواه حبيب كاتب مالك عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو به ، وحبيب متروك كذبوه انتهى . ورواية حبيب عند ابن ماجه . [ ص: 316 ] قال الزرقاني : وأشبه من ذلك أنه عمرو بن الحارث المصري فقد رواه الخطيب من طريق الهيثم بن يمان أبي بشر الرازي عن مالك عن عمرو بن الحارث انتهى . ( عن عمرو بن شعيب ) : بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق ( عن أبيه ) : شعيب تابعي صدوق ( عن جده ) : أي شعيب وهو عبد الله لأنه ثبت سماع شعيب منه أو ضميره لعمرو ، ويحمل على الجد الأعلى وهو الصحابي عبد الله بن عمرو ، ولذا احتج الأكثر بهذه الترجمة خلافا لمن زعم أنها منقطعة لأن جد عمرو محمدا ليس بصحابي ولا رواية له بناء على عود الضمير لعمرو وأنه الجد الأدنى كذا في شرح الموطأ للزرقاني .

                                                                      قلت : وقد تقدم في أوائل الكتاب ترجمة عمرو بن شعيب أكثر من هذا ( قال مالك ) : وتفسير ( ذلك فيما نرى ) : بضم النون نظن ( أن يشتري الرجل ) : أو المرأة ( العبد ) : أو الأمة ( ثم يقول ) : للذي اشترى منه أو تكارى منه ( أعطيك دينارا ) : أو درهما أو أكثر من ذلك أو أقل ( على أني إن تركت السلعة ) : المبتاعة ( فما أعطيتك لك ) : ولا رجوع لي به عليك .

                                                                      ولفظ الموطأ على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منك ، فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة ، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيتك لك باطل بغير شيء انتهى .

                                                                      قال الزرقاني : هو باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر وأكل أموال الناس بالباطل ، فإن وقع فسخ فإن فات مضى لأنه مختلف فيه فقد أجازه أحمد ، وروي عن ابن عمر وجماعة من التابعين إجازته ويرد العربان على كل حال .

                                                                      قال ابن عبد البر : ولا يصح ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من إجازته ، فإن صح احتمل أنه يحسب على البائع من الثمن إن تم البيع ، وهذا جائز عند الجميع انتهى .

                                                                      قال في النيل : والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكتراء الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء ، وحديث الباب يدل على تحريم [ ص: 317 ] البيع مع العربان ، وبه قال الجمهور ، وخالف في ذلك أحمد فأجازه ، وروى نحوه عن عمر وابنه ، ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأحله أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وهو مرسل ، وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف ، والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمرو بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة ، والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين ، أحدهما : شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة ، والثاني : شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه ابن ماجه وهذا منقطع ، وأخرجه ابن ماجه مسندا وفيه حبيب كاتب الإمام مالك رحمه الله وعبد الله بن عامر الأسلمي ، ولا يحتج بهما . انتهى .

                                                                      قال الزرقاني : ومن قال حديث منقطع أو ضعيف لا يلتفت إليه ولا يصح كونه منقطعا بحال إذ هو ما سقط منه الراوي قبل الصحابي أو ما لم يتصل وهذا متصل غير أن فيه راويا مبهما انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية