الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب دعوى النسب

الدعوة نوعان دعوة استيلاد وهو أن يكون أصل العلوق في ملك المدعي ودعوة تحرير وهو بخلافه والأولى أقوى لسبقه واستنادها لوقت العلوق واقتصار دعوى التحرير على الحال وسيتضح ( مبيعة ولدت لأقل من ستة أشهر منذ بيعت فادعاه ) البائع ( ثبت نسبه ) منه استحسانا لعلوقها في ملكه ومبنى النسب على الثمن ( و ) لكن ( إذا ادعاه المشتري قبله ثبت ) نسبه ( منه ) لوجود ملكه وأميتها [ ص: 582 ] بإقراره وقيل يحمل على أنه نكحها واستولدها ثم اشتراها ( ولو ادعاه معه ) أي مع ادعاء البائع ( أو بعده لا ) لأن دعوته تحرير ، والبائع استيلاد فكان أقوى كما مر ( وكذا ) يثبت من البائع ( لو ادعاه بعد موت الأم بخلاف موت الولد ) لفوات الأصل ( ويأخذه ) البائع بعد موت أمه ( ويسترد المشتري كل الثمن ) وقالا حصته ( وإعتاقهما ) أي إعتاق المشتري الأم والولد ( كموتهما ) في الحكم ( والتدبير كالإعتاق ) لأنه أيضا لا يحتمل الإبطال ويرد حصته اتفاقا ملتقى وغيره وكذا حصتها أيضا على الصحيح من مذهب الإمام كما في القهستاني والبرهان ونقله في الدرر والمنح عن الهداية على خلاف ما في الكافي عن المبسوط وعبارة المواهب وإن ادعاه بعد عتقها أو موتها ثبت منه ، وعليه رد الثمن واكتفيا برد حصته وقيل : لا يرد حصتها في الإعتاق بالاتفاق ا هـ فليحفظ ( ولو ولدت ) الأمة المذكورة ( لأكثر من حولين من وقت البيع وصدقه المشتري ثبت النسب ) بتصديقه ( وهي أم ولده على المعنى اللغوي - [ ص: 583 ] نكاحا ) حملا لأمره على الصلاح . بقي لو ولدت فيما بين الأقل والأكثر إن صدقه فحكمه كالأول لاحتمال العلوق قبل بيعه وإلا لا ، ولو تنازعا فالقول للمشتري اتفاقا وكذا البينة له عند الثاني خلافا للثالث شرنبلالية وشرح مجمع ، وفيه لو ولدت عند المشتري ولدين أحدهما لدون ستة أشهر والآخر لأكثر ثم ادعى البائع الأول ثبت نسبهما بلا تصديق المشتري .

التالي السابق


باب دعوى النسب ( قوله الدعوة ) أي بكسر الدال في النسب وبفتحها الدعوة إلى الطعام ( قوله : في ملك المدعي ) أي حقيقة أو حكما كما إذا وطئ جارية ابنه فولدت وادعاه فإنه يثبت ملكه فيها ويثبت عتق الولد ويضمن قيمتها لولده كما تقدم وجعلها الأتقاني دعوة شبهة ( قوله واستنادها ) عطف علة على معلول قال في الدرر : والأول أقوى لأنه أسبق لاستنادها ح ( قوله من ستة أشهر ) أفاد أنهما اتفقا على المدة وإلا ففي التتارخانية عن الكافي قال البائع : بعتها منك منذ شهر ، والولد مني ، وقال المشتري بعتها مني لأكثر من سنة ، والولد ليس منك فالقول للمشتري بالاتفاق فإن أقاما البينة فالبينة للمشتري أيضا عند أبي يوسف وعند محمد للبائع ، وسيذكره الشارح بقوله : ولو تنازعا وقيد بدعوى البائع ; إذ لو ادعاه ابنه وكذبه المشتري صدقه البائع أولا فدعوته باطلة وتمامه فيها ( قوله فادعاه ) أفاد بالفاء أن دعوته قبل الولادة موقوفة ، فإن ولدت حيا ثبت وإلا فلا كما في الاختيار ، ويلزم البائع أن الأمة لو كانت بين جماعة فشراها أحدهم فولدت فادعوه جميعا ثبت منهم عنده وخصاه باثنين وإلا فلا كما في النظم وبالإطلاق أنه لو لم يصدق المشتري البائع ، وقال : لم يكن العلوق عندك كان القول للبائع بشهادة الظاهر فإن برهن أحدهما فبينته ، وإن برهنا فبينة المشتري عند الثاني وبينة البائع عند الثالث كما في المنية شرح الملتقى ( قوله البائع ) ولو أكثر من واحد قهستاني ( قوله : ثبت نسبه ) صدقه المشتري أو لا كما في غرر الأفكار وأطلق في البائع ، فشمل المسلم والذمي والحر والمكاتب كذا رأيته معزوا للاختيار ( قوله استحسانا ) أي لا قياسا لأن بيعه إقرار منه بأنها أمة فيصير مناقضا ( قوله : وأميتها ) عطف على فاعل ثبت ح وهذا لو جهل الحال لما سبق في الاستيلاد أنه [ ص: 582 ] لو زنى بأمة فولدت فملكها لم تصر أم ولد وإن ملك الولد عتق عليه ومر فيه متنا .

استولد جارية أحد أبويه ، وقال : ظننت حلها لي فلا نسب وإن ملكه عتق عليه قال الشارح ثمة وإن ملك أمه لا تصير أم ولده لعدم ثبوت نسبه سائحاني ( قوله بإقراره ) ثم لا تصح دعوى البائع بعده لاستغناء الولد بثبوت نسبه ، ولأنه لا يحتمل الإبطال زيلعي ( قوله ولو ادعاه ) أي وقد ولدته لدون الأقل ( قوله : بخلاف موت الولد ) أي وقد ولدته لدون الأقل فلا يثبت الاستيلاد في الأم لفوات الأصل ، فإنه استغنى بالموت عن النسب ، وكان الأولى للشارح التعليل بالاستغناء كما لا يخفى فتدبر ( قوله كل الثمن ) لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها المشتري وعندهما متقومة فيضمنها هداية ( قوله وقالا حصته ) أي حصة الولد أي لا يرد حصة الأم ( قوله الأم والولد ) الواو بمعنى أو مانعة الخلو والظاهر أنها حقيقية لأحد الشيئين تأمل ( قوله كموتهما ) حتى لو أعتق الأم لا الولد فادعاه البائع أنه ابنه صحت دعوته ، ويثبت نسبه منه ولو أعتق الولد لا الأم لم تصح دعوته لا في حق الولد ولا في حق الأم كما في الموت منح ( قوله : ويرد حصته ) أي فيما لو أعتق الأم أو دبرها لا الولد ( قوله : وكذا حصتها ) فصار حاصل هذا أن البائع يرد كل الثمن وهو حصة الأم وحصة الولد في الموت والعتق عند الإمام ، ويرد حصة الولد فقط فيهما عندهما .

وعلى ما في الكافي يرد حصته فقط في الإعتاق عند الإمام كقولهما ( قوله أيضا ) أي في التدبير والإعتاق ، وأما في الموت فيرد حصتها أيضا عند أبي حنيفة رحمه الله قولا واحدا كما يدل عليه كلام الدرر حيث قال : وفيما إذا أعتق المشتري الأم أو دبرها يرد البائع على المشتري حصته من الثمن عندهما . وعنده يرد كل الثمن في الصحيح كما في الموت كذا في الهداية ح ( قوله : ونقله في الدرر ) وذكر في المبسوط يرد حصته من الثمن لا حصتها بالاتفاق وفرق على هذا بين الموت والعتق بأن القاضي كذب البائع فيما زعم حيث جعلها معتقة من المشتري فبطل زعمه ولم يوجد التكذيب في فصل الموت فيؤاخذ بزعمه فيسترد حصتها كذا في الكافي ا هـ . لكن رجح في الزيلعي كلام المبسوط وجعله هو الرواية فقال بعد نقل التصحيح عن الهداية وهو مخالف الرواية وكيف يقال يسترد جميع الثمن ، والبيع لم يبطل في الجارية حيث لم يبطل إعتاقه بل يرد حصة الولد فقط بأن يقسم الثمن على قيمتهما وتعتبر قيمة الأم يوم القبض لأنها دخلت في ضمانه بالقبض وقيمة الولد يوم الولادة لأنه صار له قيمة بالولادة فتعتبر قيمته عند ذلك ا هـ ( قوله ما في الكافي ) وهو رد حصته لا حصتها بالاتفاق ( قوله : لأكثر من حولين ) مثله تمام السنتين إذا لم يوجد اتصال العلوق بملكه يقينا ، وهو الشاهد والحجة شرنبلالية ( قوله : ثبت النسب ) وإن ادعاه المشتري وحده صح ، وكانت دعوة استيلاد ، وإن ادعياه معا [ ص: 583 ] أو سبق أحدهما صحت دعوة المشتري لا البائع تتارخانية ( قوله : نكاحا ) بأن زوجه إياها المشتري وإلا كان زنا ( قوله فحكمه كالأول ) فيثبت النسب ويبطل البيع ، والأمة أم ولد تتارخانية ( قوله : قبل بيعه ) قال في التتارخانية : هذا الذي ذكرنا إذا علمت المدة فإن لم تعلم أنها ولدت لأقل من ستة أشهر أو لأكثر إلى سنتين أو أكثر من وقت البيع ، فإن ادعاه البائع لا يصح إلا بتصديق المشتري وإن ادعاه المشتري تصح ، وإن ادعياه معا لا تصح دعوة واحد منها ، وإن سبق أحدهما فلو المشتري صحت دعوته ، ولو البائع لم تصح دعوة واحد منهما ( قوله : وإلا ) أي بأن كذبه ، وإن لم يدعه أو ادعاه أو سكت فهو أعم من قوله ولو تنازعا ح ( قوله ولو تنازعا ) أي في كونه لأقل من ستة أشهر أو لأكثر كما قدمناه عن التتارخانية ( قوله : والآخر لأكثر ) أي وليس بينهما ستة أشهر




الخدمات العلمية