الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ غوى ]

                                                          غوى : الغي : الضلال والخيبة . غوى ، بالفتح ، غيا وغوي غواية ؛ الأخيرة عن أبي عبيد : ضل . ورجل غاو وغو وغوي وغيان : ضال ، وأغواه هو ؛ وأنشد للمرقش :


                                                          فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما



                                                          وقال دريد بن الصمة :


                                                          وهل أنا إلا من غزية إن غوت     غويت وإن ترشد غزية أرشد ؟



                                                          ابن الأعرابي : الغي الفساد ، قال ابن بري : غو هو اسم الفاعل من غوي لا من غوى ، وكذلك غوي ، ونظيره رشد فهو راشد ورشد فهو رشيد . وفي الحديث : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ؛ وفي حديث الإسراء : لو أخذت الخمر غوت أمتك أي ضلت ؛ وفي الحديث : سيكون عليكم أئمة إن أطعتموهم غويتم أي إن أطاعوهم فيما يأمرونهم به من الظلم والمعاصي غووا أي ضلوا . وفي حديث موسى وآدم ، عليهما السلام : أغويت الناس أي خيبتهم ؛ يقال : غوى الرجل خاب وأغواه غيره ، وقوله عز وجل : وعصى آدم ربه فغوى أي فسد عليه عيشه ، قال : والغوة والغية واحد . وقيل : غوى أي ترك النهي وأكل من الشجرة فعوقب بأن أخرج من الجنة . وقال الليث : مصدر غوى ، الغي قال : والغواية الانهماك في الغي . ويقال : أغواه الله إذا أضله . وقال تعالى : فأغويناكم إنا كنا غاوين وحكى المؤرج عن بعض العرب غواه بمعنى أغواه ؛ وأنشد :


                                                          وكائن ترى من جاهل بعد علمه     غواه الهوى جهلا عن الحق فانغوى

                                                          [ ص: 104 ] قال الأزهري : لو كان عواه الهوى بمعنى لواه وصرفه فانعوى كان أشبه بكلام العرب وأقرب إلى الصواب . وقوله تعالى : قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم قيل فيه قولان ، قال بعضهم : فبما أضللتني ، وقال بعضهم : فبما دعوتني إلى شيء غويت به أي غويت من أجل آدم ، لأقعدن لهم صراطك أي على صراطك ، ومثله قوله : ضرب زيد الظهر والبطن المعنى على الظهر والبطن . وقوله تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون قيل في تفسيره : الغاوون الشياطين ، وقيل أيضا : الغاوون من الناس ، قال الزجاج : والمعنى أن الشاعر إذا هجا بما لا يجوز هوي ذلك قوم وأحبوه فهم الغاوون ، وكذلك إن مدح ممدوحا بما ليس فيه وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون . وأرض مغواة : مضلة . والأغوية : المهلكة : والمغويات ، بفتح الواو مشددة ، جمع المغواة : وهي حفرة كالزبية تحتفر للأسد ؛ وأنشد ابن بري لمغلس بن لقيط :


                                                          وإن رأياني قد نجوت تبغيا     لرجلي مغواة هياما ترابها

                                                          وفي مثل للعرب : من حفر مغواة أوشك أن يقع فيها . ووقع الناس في أغوية أي في داهية . وروي عن عمر ، رضي الله عنه ، أنه قال : إن قريشا تريد أن تكون مغويات لمال الله ؛ قال أبو عبيد : هكذا روي بالتخفيف وكسر الواو ، قال : وأما الذي تكلمت به العرب فالمغويات ، بالتشديد وفتح الواو ، واحدتها مغواة ، وهي حفرة كالزبية تحتفر للذئب ويجعل فيها جدي إذا نظر الذئب إليه سقط عليه يريده فيصاد ، ومن هذا قيل لكل مهلكة مغواة ؛ وقال رؤبة :


                                                          إلى مغواة الفتى بالمرصاد



                                                          يريد إلى مهلكته ومنيته ، شبهها بتلك المغواة ، قال : وإنما أراد عمر ، رضي الله عنه ، أن قريشا تريد أن تكون مهلكة لمال الله كإهلاك تلك المغواة لما سقط فيها ، أي تكون مصايد للمال ومهالك كتلك المغويات . قال أبو عمرو : وكل بئر مغواة ، والمغواة في بيت رؤبة : القبر . وتغاووا عليه أي تعاونوا عليه فقتلوه . وتغاووا عليه : جاءوه من هنا وهنا وإن لم يقتلوه . والتغاوي : التجمع والتعاون على الشر ، وأصله من الغواية أو الغي ؛ يبين ذلك شعر لأخت المنذر بن عمرو الأنصاري قالته في أخيها حين قتله الكفار :


                                                          تغاوت عليه ذئاب الحجاز     بنو بهثة وبنو جعفر



                                                          وفي حديث عثمان ، رضي الله عنه ، وقتلته قال : فتغاووا والله عليه حتى قتلوه أي تجمعوا . والتغاوي : التعاون في الشر ، ويقال بالعين المهملة ، ومنه حديث المسلم قاتل المشرك الذي كان يسب النبي ، صلى الله عليه وسلم : فتغاوى المشركون عليه حتى قتلوه ويروى بالعين المهملة ، قال : والهروي ذكر مقتل عثمان في المعجمة وهذا في المهملة . أبو زيد : وقع فلان في أغوية وفي وامئة أي في داهية . الأصمعي : إذا كانت الطير تحوم على الشيء قيل هي تغايا عليه وهي تسوم عليه ، وقال شمر : تغايا وتغاوى بمعنى واحد ؛ قال العجاج :

                                                          وإن تغاوى باهلا أو انعكر تغاوي العقبان يمزقن الجزر

                                                          قال : والتغاوي الارتقاء والانحدار كأنه شيء بعضه فوق بعض ، والعقبان : جمع العقاب ، والجزر : اللحم . وغوي الفصيل والسخلة يغوى غوى فهو غو : بشم من اللبن وفسد جوفه ، وقيل : هو أن يمنع من الرضاع فلا يروى حتى يهزل ويضر به الجوع وتسوء حاله ويموت هزالا أو يكاد يهلك ؛ قال يصف قوسا :


                                                          معطفة الأثناء ليس فصيلها     برازئها درا ولا ميت غوى

                                                          وهو مصدر ؛ يعني القوس وسهما رمى به عنها ، وهذا من اللغز . والغوى : البشم ، ويقال : العطش ، ويقال : هو الدقى ؛ وقال الليث : غوي الفصيل يغوى غوى إذا لم يصب ريا من اللبن حتى كاد يهلك ، قال أبو عبيد : يقال غويت أغوى وليست بمعروفة ، وقال ابن شميل : غوي الصبي والفصيل إذا لم يجد من اللبن إلا علقة ، فلا يروى وتراه محثلا ، قال شمر : وهذا هو الصحيح عند أصحابنا . الجوهري : والغوى مصدر قولك : غوي الفصيل والسخلة ، بالكسر ، يغوى غوى ، قال ابن السكيت : هو أن لا يروى من لبأ أمه ولا يروى من اللبن حتى يموت هزالا . قال ابن بري : الظاهر في هذا البيت قول ابن السكيت والجمهور على أن الغوى البشم من اللبن . وفي نوادر الأعراب يقال : بت مغوى وغوى وغويا وقاويا وقوى وقويا ومقويا إذا بت مخليا موحشا . ويقال : رأيته غويا من الجوع وقويا وضويا وطويا إذا كان جائعا ؛ وقول أبي وجزة :


                                                          حتى إذا جن أغواء الظلام له     من فور نجم من الجوزاء ملتهب

                                                          أغواء الظلام : ما سترك بسواده ، وهو لغية ولغية أي لزنية ، وهو نقيض قولك لرشدة . قال اللحياني : الكسر في غية قليل . والغاوي : الجراد . تقول العرب : إذا أخصب الزمان جاء الغاوي والهاوي ؛ الهاوي : الذئب . والغوغاء : الجراد إذا احمر وانسلخ من الألوان كلها وبدت أجنحته بعد الدبى . أبو عبيد : الجراد أول ما يكون سروة ، فإذا تحرك فهو دبى قبل أن تنبت أجنحته ، ثم يكون غوغاء ، وبه سمي الغوغاء . والغاغة من الناس : وهم الكثير المختلطون ، وقيل : هو الجراد إذا صارت له أجنحة وكاد يطير قبل أن يستقل فيطير ، يذكر ويؤنث ويصرف ولا يصرف ، واحدته غوغاءة وغوغاة ، وبه سمي الناس . والغوغاء : سفلة الناس ، وهو من ذلك . والغوغاء : شيء يشبه البعوض ولا يعض ولا يؤذي وهو ضعيف ، فمن صرفه وذكره جعله بمنزلة قمقام ، والهمزة بدل من واو ، ومن لم يصرفه جعله بمنزلة عوراء . والغوغاء : الصوت والجلبة ؛ قال الحارث بن حلزة اليشكري :


                                                          أجمعوا أمرهم بليل فلما     أصبحوا أصبحت لهم غوغاء

                                                          ويروى : ضوضاء . وحكى أبو علي عن قطرب في نوادر له : أن مذكر الغوغاء أغوغ ، وهذا نادر غير معروف . وحكي أيضا : تغاغى عليه الغوغاء إذا ركبوه بالشر . أبو العباس : إذا سميت رجلا بغوغاء فهو على وجهين : إن نويت به ميزان حمراء لم تصرفه ، وإن نويت به ميزان قعقاع صرفته . وغوي وغوية وغوية : أسماء . وبنو غيان : [ ص: 105 ] حي هم الذين وفدوا على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : من أنتم ؟ فقالوا : بنو غيان ، قال لهم : بنو رشدان ، فبناه على فعلان علما منه أن غيان فعلان ، وأن فعلان في كلامهم مما في آخره الألف والنون أكثر من فعال مما في آخره الألف والنون ، وتعليل رشدان مذكور في موضعه . وقوله تعالى : فسوف يلقون غيا قيل : غي واد في جهنم ، وقيل : نهر ، وهذا جدير أن يكون نهرا أعده الله للغاوين سماه غيا ، وقيل : معناه فسوف يلقون مجازاة غيهم ، كقوله تعالى : ومن يفعل ذلك يلق أثاما أي مجازاة الأثام . وغاوة : اسم جبل ؛ قال المتلمس يخاطب عمرو بن هند :


                                                          فإذا حللت ودون بيتي غاوة     فابرق بأرضك ما بدا لك وارعد

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية