الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما ذكر البناء ذكر المهاد فقال: والأرض [أي] التي هي فراشكم بمنزلة محال تصرفاتكم بالعقل في المعاني المقصودة وما طحاها أي بسطها على وجه هي فيه محيطة بالحيوان كله ومحاط بها في مقعر الأفلاك، وهي [مع] كونها ممسكة بالقدرة كأنها طائحة في تيار بحارها، وهي موضع البعد والهلاك ومحل الجمع - كل هذا بما يشير إليه التعبير بهذا اللفظ إشارة إلى ما [في] سعي الإنسان من أمثال هذا، قال أهل البصائر: وليس في العالم الآفاقي شيء إلا وفي العالم النفساني نظيره، وأنشدوا في ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      دواؤك فيك وما تشعر ... وداؤك منك وتستنكر

                                                                                                                                                                                                                                          وتحسب أنك جزء صغير
                                                                                                                                                                                                                                      ... وفيك انطوى العالم الأكبر



                                                                                                                                                                                                                                      فالسماوات سبع كطباق الرأس التي تتعلق بالقوى المعنوية والحسية [ ص: 74 ] كالذاكرة والحافظة والواهمة والمخيلة والمفكرة والحس المشترك وما هو لمقاسم البصر في العين، ونظير الشمس الروح في إشراقه وحسنه، ونظير الليل الطبع فإن ما به من نور فإنما هو من الروح كما أن الليل كذلك لا يكون نوره إلا من الشمس بواسطة إفادتها للقمر المنير له والكواكب، ونظير النهار - الذي هو نير في أصله ومتكدر بما يخيل له من السحب ونحوه - القلب وسحبه الشكوك والأوهام النفسية، ونظير القمر في ظلمته بأصله وإنارته بالشمس النفس، فإذا أكسبها القلب المستفيد من الروح النور أنار جميع البدن، وإذا أظلمت أظلم كله، والأعضاء الباطنة كالكواكب يقوم بها البدن فينير له الوجود بواسطة الروح والنفس، والأمطار كالدمع، والحر كالحزن، والبرد كالسرور، والرعد كالنطق، والبرق كالملح، والرياح كالنفس - إلى غير ذلك [من البدائع] لمن تأمل، والعالم السفلي سبع طباق أيضا، قال الملوي: "ونظيرها طبقة الجلد" وهي ثلاث، [و] طبقة اللحم وطبقة الشحم [ ص: 75 ] وطبقة العروق وطبقة العصب، والجبال كالعظام والمعادن منها المياه وفيها العذب كالريق والملح كالدمع والمر كما في الأذن والمنتن منه كما في الأنف، ومنه ما هو جار كالبول، ومنه ما هو كالعيون وهو الدم، والسيل كالعرق، والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص هي وسخ الأرض وهي كالعذرة وما يخرج من الجلد من خبث، [و] النبات كالشعور تارة تحلق [كالحصاد] وتارة تقلع كالنتف، والحيوانات التي فيها كالقمل، وطيورها كالبراغيث، وعامر البدن ما أقبل منه، وخرابه ما أدبر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية