الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفة خاتم النبوة الذي بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : ثنا محمد بن عبيد الله ، ثنا حاتم ، عن الجعيد قال : سمعت السائب بن يزيد يقول : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وقع ، فمسح رأسي ، ودعا لي بالبركة ، وتوضأ [ ص: 432 ] فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة . وهكذا رواه مسلم ، عن قتيبة ومحمد بن عباد ، كلاهما عن حاتم بن إسماعيل به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال البخاري : قال ابن عبيد الله : الحجلة من حجل الفرس الذي بين عينيه . وقال إبراهيم بن حمزة : مثل زر الحجلة . قال أبو عبد الله : الرز ، الراء قبل الزاي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن سماك ، أنه سمع جابر بن سمرة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته ، وكان إذا ادهن لم يتبين ، وإذا شعث رأسه تبين ، وكان كثير شعر اللحية . فقال رجل : وجهه مثل السيف ؟ قال : لا ، بل كان مثل الشمس [ ص: 433 ] والقمر ، وكان مستديرا ، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن سماك سمعت جابر بن سمرة قال : رأيت خاتما في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحدثنا ابن نمير ، ثنا عبيد الله بن موسى ، ثنا حسن بن صالح ، عن سماك ، بهذا الإسناد مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن عبد الله بن سرجس قال : ترون هذا الشيخ ؟ يعني نفسه ، كلمت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وأكلت معه ، ورأيت العلامة التي بين كتفيه ، وهي في طرف نغض كتفه اليسرى ، كأنه جمع - يعني الكف المجتمع ، وقال بيده فقبضها - عليه خيلان كهيئة الثآليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم وأسود بن عامر ، قالا : ثنا شريك ، [ ص: 434 ] عن عاصم ، عن عبد الله بن سرجس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلمت عليه ، وأكلت من طعامه ، وشربت من شرابه ، ورأيت خاتم النبوة . قال هاشم : في نغض كتفه اليسرى ، كأنه جمع فيه خيلان سود ، كأنها الثآليل . ورواه عن غندر ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن عبد الله بن سرجس ، فذكر الحديث ، وشك شعبة في أنه هل هو في نغض الكتف اليمنى أو اليسرى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه مسلم من حديث حماد بن زيد وعلي بن مسهر وعبد الواحد بن زياد ، ثلاثتهم عن عاصم ، عن عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأكلت معه خبزا ولحما . أو قال : ثريدا . فقلت : يا رسول الله ، غفر الله لك . قال : " ولك " . فقلت له : أستغفر لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، ولكم . ثم تلا هذه الآية : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ محمد : 19 ] . قال : ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند نغض كتفه اليسرى جمعا ، عليه خيلان كأمثال الثآليل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : ثنا قرة بن خالد : ، ثنا معاوية بن قرة ، عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أرني الخاتم . فقال " أدخل يدك " . فأدخلت يدي في جربانه ، فجعلت ألمس أنظر إلى الخاتم ، فإذا هو على [ ص: 435 ] نغض كتفه مثل البيضة ، فما منعه ذاك أن جعل يدعو لي وإن يدي لفي جربانه ورواه النسائي ، عن أحمد بن سعيد ، عن وهب بن جرير عن قرة بن خالد به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن إياد بن لقيط السدوسي ، عن أبي رمثة التيمي قال : خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت برأسه ردع حناء ، ورأيت على كتفه مثل التفاحة ، فقال أبي : إني طبيب ألا أبطها لك ؟ قال : " طبيبها الذي خلقها " قال : وقال لأبي : " هذا ابنك ؟ " قال : نعم . قال : " أما إنه لا يجني عليك ، ولا تجني عليه " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو نعيم ، ثنا عبيد الله بن إياد ، حدثني أبي ، عن أبي ربيعة أو رمثة قال : انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر إلى مثل السلعة بين كتفيه ، فقال : يا رسول الله ، إني كأطب الرجال أفأعالجها لك ؟ قال : " لا ، طبيبها الذي خلقها " . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وقال الثوري ، عن إياد بن لقيط في هذا الحديث : فإذا خلف كتفه مثل التفاحة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال عاصم بن بهدلة عن أبي رمثة : فإذا في نغض كتفه مثل بعرة البعير [ ص: 436 ] أو بيضة الحمامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم روى البيهقي من حديث سماك بن حرب ، عن سلامة العجلي ، عن سلمان الفارسي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى رداءه وقال " " يا سلمان ، انظر إلى ما أمرت به " . قال : فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى يعقوب بن سفيان ، عن الحميدي ، عن يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن أبي راشد ، عن التنوخي الذي بعثه هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بتبوك ، فذكر الحديث كما قدمناه في غزوة تبوك إلى أن قال : فحل حبوته عن ظهره ، ثم قال : ههنا امض لما أمرت به فجلت في ظهره ، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل المحجمة الضخمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : ثنا مسلم بن إبراهيم ، ثنا عبد الله بن ميسرة ، ثنا عتاب ، سمعت أبا سعيد يقول : الخاتم الذي بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم لحمة ناتئة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 437 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا شريج ، ثنا أبو ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني ، عن غياث البكري قال : كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة ، فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان بين كتفيه ، فقال بأصبعه السبابة هكذا : لحم ناشز بين كتفيه صلى الله عليه وسلم . تفرد به أحمد من هذا الوجه . حديث غريب جدا رواه أبو حاتم محمد بن حاتم بن حبان البستي في " صحيحه " قائلا : أخبرنا نصر بن الفتح بن سالم المربعي العابد بسمرقند ، ثنا رجاء بن مرجى الحافظ ، ثنا إسحاق بن إبراهيم قاضي سمرقند ثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : كان خاتم النبوة في ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البندقة من لحم ، عليه مكتوب : محمد رسول الله . وهذا حديث سكت عليه ابن حبان ، وقد دخل على راويه عن ابن جريج الوهم ، فإن المكتوب عليه : محمد رسول الله ، هو خاتمه الذي كان يلبسه في خنصره من الفضة ، فأما خاتم النبوة الذي بين كتفيه فلم يرد فيه شيء من الأحاديث . وبمثل هذا التفرد لا يقبل من رواية ذلك حتى يرويه الثقات ؛ إذ نقل هذا مما تتوفر الدواعي على نقل مثله فلا يقبل فيه تفرد الراوي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 438 ] وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية المصري في كتابه " التنوير في مولد البشير النذير " عن أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن بشر المعروف بالحكيم الترمذي ، أنه قال : كان الخاتم الذي بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها : الله وحده . وفي ظاهرها : توجه حيث شئت فإنك منصور . ثم قال : وهذا غريب . واستنكره ، قال : وقيل : كان من نور . ذكره الإمام أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ في كتابه " تنقل الأنوار " وحكى أقوالا غريبة غير ذلك ، ومن أحسن ما ذكره ابن دحية ، رحمه الله ، وغيره من العلماء قبله في الحكمة في كون الخاتم كان بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إشارة إلى أنه لا نبي بعدك يأتي من ورائك . قال : وقيل كان على نغض كتفه . لأنه يقال : هو الموضع الذي يدخل الشيطان منه إلى باطن الإنسان . فكان هذا عصمة له عليه الصلاة والسلام من الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وقد ذكرنا الأحاديث الدالة على أنه لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام ، ولا رسول ، عند تفسير قوله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما [ الأحزاب : 40 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية