الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الضحى

مكية، وآيها: إحدى عشرة آية، وحروفها: مئة وثمانية وخمسون حرفا، وكلمها: أربعون كلمة.

الكلام في التكبير:

اختلف في سبب وروده، فروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انقطع عنه الوحي، فقال المشركون: قلا محمدا ربه، فنزلت سورة والضحى فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر"، وأمر أن يكبر إذا بلغ: والضحى مع خاتمة كل سورة حتى يختم، فكبر شكرا لله تعالى لما كذب المشركين، وقيل: قال: الله أكبر تصديقا لما أنا عليه، وتكذيبا للكافرين، وقيل: فرحا وسرورا بنزول الوحي، وورد في ذلك أقوال كثيرة غير ما تقدم.

وأما من ورد عنه، فقد صح التكبير عن أهل مكة قرائهم وعلمائهم، [ ص: 384 ] وصح أيضا عن أبي جعفر، وأبي عمرو، وورد عن سائر القراء عند الختم، وهو سنة مأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة والتابعين في الصلاة وخارجها، لكن من فعله، فحسن، ومن لم يفعله، فلا حرج عليه.

وأما ابتداؤه، فاختلف فيه، فروي أنه من أول ألم نشرح وروي أنه من أول والضحى .

واختلف أيضا في النهاية، فروي أن انتهاءه آخر سورة الناس، وروي: أولها، وقد ثبت نصه عن الإمامين الشافعي وأحمد رضي الله عنهما، ولم يستحبه الحنابلة؛ لقراءة غير ابن كثير، ولم أطلع على نص في ذلك لأبي حنيفة ومالك رضي الله عنهما.

ولفظه: (الله أكبر) في رواية البزي، وقنبل، وروي عنهما: التهليل قبل التكبير، ولفظة: (لا إله إلا الله والله أكبر) ، والوجهان عنهما صحيحان جيدان مشهوران مستعملان.

وصفة التكبير في رواية ابن كثير بين كل سورتين أربعة عشر وجها:

الأول: قطعه عن آخر السورة، ووصله بالبسملة، ووصل البسملة في أول السورة الآتية، وهو ولسوف يرضى قف (الله أكبر) صل (بسم الله الرحمن الرحيم) صل والضحى . [ ص: 385 ]

الثاني: قطعه عن آخر السورة، ووصله بالبسملة، والوقوف على البسملة، ثم الابتداء بأول السورة، وهو ولسوف يرضى قف (الله أكبر) صل (بسم الله الرحمن الرحيم) قف والضحى .

الثالث: وصله بآخر السورة، والقطع عليه، ووصل البسملة بأول السورة، وهو ولسوف يرضى صل (الله أكبر) قف (بسم الله الرحمن الرحيم) صل والضحى .

الرابع: وصله بآخر السورة، والقطع على البسملة، وهو ولسوف يرضى صل (الله أكبر) قف (بسم الله الرحمن الرحيم) قف والضحى .

الخامس: قطع التكبير عن آخر السورة وعن البسملة، ووصل البسملة بأول السورة، وهو ولسوف يرضى قف (الله أكبر) قف (بسم الله الرحمن الرحيم) صل والضحى .

السادس: وصل التكبير بآخر السورة، والبسملة بأول السورة، وهو ولسوف يرضى صل (الله أكبر) صل (بسم الله الرحمن الرحيم) صل والضحى .

السابع: قطع الجميع؛ أي: قطع التكبير عن السورة الماضية وعن البسملة، وقطع البسملة عن السورة الآتية، وهو: ولسوف يرضى قف (الله أكبر) قف (بسم الله الرحمن الرحيم) قف والضحى .

فهذه السبعة صفته مع التكبير، ويأتي مع التهليل مثل ذلك، وبقي وجه لا يجوز، وهو وصل التكبير بآخر السورة، وبالبسملة مع القطع عليها، وهو ولسوف يرضى (الله أكبر) (بسم الله الرحمن الرحيم) بالوصل في الجميع، ثم يسكت على البسملة، ثم يبتدئ والضحى ، فهذا ممتنع [ ص: 386 ] إجماعا؛ لأن البسملة لأول السورة، فلا يجوز أن تجعل منفصلة عنها متصلة بآخر السورة قبلها.

واعلم أن القارئ إذا وصل التكبير بآخر السورة، فإن كان آخرها ساكنا، كسره للساكنين؛ نحو: (فحدث الله أكبر) ، و (فارغب الله أكبر) ، وإن كان منونا، كسره أيضا للساكنين، وسواء كان الحرف المنون مفتوحا أو مضموما أو مكسورا، نحو: (توابا الله أكبر) و (لخبير الله أكبر) ، و (من مسد الله أكبر) ، وإن كان آخر السورة مفتوحا، فتحه، وإن كان مكسورا، كسره، وإن كان مضموما، ضمه، نحو: قوله: (إذا حسد الله أكبر) ، (والناس الله أكبر) ، و (الأبتر الله أكبر) ، وشبهه، وإن كان آخر السورة هاء كناية موصولة بواو، حذف صلتها للساكنين؛ نحو: (ربه الله أكبر) و (شرا يره الله أكبر) ، وأسقطت ألف الوصل التي في أول اسم الله -عز وجل- في جميع ذلك استغناء عنها، والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

والضحى .

[1] والضحى هو سطوع الضوء وعظمه، وتقدم ذكر وقته أول سورة الشمس، أقسم الله به، وأراد به النهار كله؛ بدليل أنه قابله بالليل.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية