الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فتح ]

                                                          فتح : الفتح : نقيض الإغلاق ؛ فتحه يفتحه فتحا وافتتحه وفتحه فانفتح وتفتح . الجوهري : فتحت الأبواب ، شدد للكثرة ، فتفتحت هي ؛ وقوله تعالى : لا تفتح لهم أبواب السماء قرئت بالتخفيف والتشديد وبالياء والتاء أي لا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم ، لأن أعمال المؤمنين وأرواحهم تصعد إلى السماء ؛ قال الله تعالى : إن كتاب الأبرار لفي عليين وقال جل ثناؤه : إليه يصعد الكلم الطيب وقال بعضهم : أبواب السماء أبواب الجنة ، لأن الجنة في السماء ، والدليل على ذلك قوله تعالى : ولا يدخلون الجنة فكأنه قال : لا تفتح لهم أبواب الجنة . وقوله تعالى : مفتحة لهم الأبواب قال أبو علي مرة : معناه مفتحة لهم الأبواب منها ؛ وقال مرة : إنما هو مرفوع على البدل من الضمير الذي في ( مفتحة ) . وقال : العرب تقول فتحت الجنان ؛ تريد فتحت أبواب الجنان ؛ قال تعالى : وفتحت السماء فكانت أبوابا والله أعلم . وقوله تعالى : ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده قال الزجاج : معناه ما يأتيهم به الله من مطر أو رزق فلا يقدر أحد أن [ ص: 120 ] يمسكه ، وما يمسك من ذلك فلا يقدر أحد أن يرسله . والمفتح ، بكسر الميم ، والمفتاح : مفتاح الباب وكل ما فتح به الشيء قال الجوهري : وكل مستغلق ؛ قال سيبويه : هذا الضرب مما يعتمل مكسور الأول ، كانت فيه الهاء أو لم تكن ، والجمع مفاتيح ومفاتح أيضا ؛ قال الأخفش : هو مثل قولهم أماني وأماني ، يخفف ويشدد ؛ وقوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو قال الزجاج : جاء في التفسير أنه عنى قوله : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت قال : فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه قد خالفه ؛ وفي الحديث : أوتيت مفاتيح الكلم ، وفي رواية : مفاتح ؛ هما جمع مفتاح ومفتح ، وهما في الأصل مما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها ، فأخبر أنه أوتي مفاتيح الكلام ، وهو ما يسر الله له من البلاغة والفصاحة ، والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات ، والألفاظ التي أغلقت على غيره وتعذرت عليه ، ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهل عليه الوصول إليه . وباب فتح أي واسع مفتح ؛ وفي حديث أبي الدرداء : ومن يأت بابا مغلقا يجد إلى جنبه بابا فتحا أي واسعا ، ولم يرد المفتوح ، وأراد بالباب الفتح : الطلب إلى الله والمسألة . وقارورة فتح : واسعة الرأس بلا صمام ولا غلاف ، لأنها تكون حينئذ مفتوحة ، وهو فعل بمعنى مفعول . والفتح : الماء المفتح إلى الأرض ليسقى به . والفتح : الماء الجاري على وجه الأرض ؛ عن أبي حنيفة . الأزهري : والفتح النهر . وجاء في الحديث : ما سقي فتحا وما سقي بالفتح ففيه العشر ؛ المعنى ما فتح إليه ماء النهر فتحا من الزروع والنخيل ففيه العشر . والفتح : الماء يجري من عين أو غيرها . والمفتح والمفتح : قناة الماء . وكل ما انكشف عن شيء فقد انفتح عنه وتفتح . وتفتح الأكمة عن النور : تشققها . والفتح : افتتاح دار الحرب ، وجمعه فتوح . والفتح : النصر . وفي حديثالحديبية : أهو فتح ؟ أي نصر . واستفتحت الشيء وافتتحته ؛ والاستفتاح : الاستنصار . وفي الحديث : أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين أي يستنصر بهم ؛ ومنه قوله تعالى : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح . واستفتح الفتح : سأله . وقال الفراء : قال أبو جهل يوم بدر : اللهم انصر أفضل الدينين وأحقه بالنصر ، فقال الله عز وجل : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قال أبو إسحاق : معناه إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ، قال : ويجوز أن يكون معناه : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء ، وقد جاء التفسير بالمعنيين جميعا . وروي أن أبا جهل قال يومئذ : اللهم أقطعنا للرحم وأفسدنا للجماعة فأحنه اليوم ! فسأل الله أن يحكم بحين من كان كذلك ، فنصر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وناله هو الحين وأصحابه ، وقال الله عز وجل : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أراد إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء ، وقيل إنه قال : اللهم انصر أحب الفئتين إليك ؛ فهذا يدل أن معناه إن تستنصروا ، وكلا القولين جيد . وقوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال الزجاج : جاء في التفسير قضينا لك قضاء مبينا أي حكمنا لك بإظهار دين الإسلام وبالنصر على عدوك ؛ قال الأزهري : قال قتادة : أي قضينا لك قضاء فيما اختار الله لك من مهادنة أهل مكة وموادعتهم عام الحديبية ؛ ابن سيده قال : وأكثر ما جاء في التفسير أنه فتح الحديبية ، وكانت فيه آية عظيمة من آيات النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وكان هذا الفتح عن غير قتال شديد ؛ وقيل : إنه كان عن تراض بين القوم ، وكانت هذه البئر استقي جميع ما فيها من الماء حتى نزحت ولم يبق فيها ماء ، فتمضمض رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم مجه فيها فدرت البئر بالماء حتى شرب جميع من كان معه . وقوله تعالى : إذا جاء نصر الله والفتح قيل عنى فتح مكة ، وجاء في التفسير أنه نعيت إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، نفسه في هذه السورة ، فأعلم أنه إذا جاء فتح مكة ودخل الناس في الإسلام أفواجا فقد قرب أجله ، فكان يقول : إنه قد نعيت إلي نفسي في هذه السورة ؛ فأمر الله أن يكثر التسبيح والاستغفار . الأزهري : وقول الله تعالى : ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون قال مجاهد : يوم الفتح هاهنا يوم القيامة ، وكذلك قال قتادة و الكلبي ؛ وقال قتادة : كان أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقولون : إن لنا يوما أوشك أن نستريح فيه وننعم ، فقال الكفار : متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ؟ وقال الفراء : يوم الفتح عنى به فتح مكة ؛ قال الأزهري : والتفسير جاء بخلاف ما قال ، وقد نفع الكفار من أهل مكة إيمانهم يوم الفتح ؛ وقال الزجاج : جاء أيضا في قوله تعالى : ويقولون متى هذا الفتح متى هذا الحكم والقضاء فأعلم الله أن يوم ذلك الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ، أي ما داموا في الدنيا فالتوبة معرضة ولا توبة في الآخرة . وقوله تعالى : ففتحنا أبواب السماء أي فأجبنا الدعاء . واستفتح الله على فلان : سأله النصر عليه ونحو ذلك . والفتاحة : النصرة . الجوهري : الفتاحة ، بالضم ، الحكم . والفتاحة والفتاحة : أن تحكم بين خصمين ؛ وقيل : الفتاحة الحكومة ؛ قال الأشعر الجعفي :


                                                          ألا من مبلغ عمرا رسولا فإني عن فتاحتكم غني

                                                          ؟

                                                          الأزهري : الفتح أن تحكم بين قوم يختصمون إليك ، كما قال سبحانه مخبرا عن شعيب : ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . الأزهري : والفتاح الحكومة . ويقال للقاضي : الفتاح لأنه يفتح مواضع الحق ؛ وقوله تعالى : ربنا افتح بيننا أي اقض بيننا . وفي حديث الصلاة : لا يفتح على الإمام ؛ أراد إذا أرتج عليه في القراءة وهو في الصلاة لا يفتح له المأموم ما أرتج عليه أي لا يلقنه ، يقال : أراد بالإمام السلطان ، وبالفتح ، الحكم أي إذا حكم بشيء فلا يحكم بخلافه . والفتاح : الحاكم الأزهري : الفتاح في صفة الله تعالى الحاكم ؛ قال : وأهل اليمن يقولون للقاضي الفتاح ، ويقول أحدهم لصاحبه : تعال حتى أفاتحك إلى الفتاح ، ويقول : افتح بيننا أي احكم ؛ وفي التنزيل : وهو الفتاح العليم . وفاتحه مفاتحة وفتاحا : حاكمه . وفي حديث ابن عباس : ما كنت أدري ما قوله عز وجل : [ ص: 121 ] ربنا افتح بيننا وبين قومنا حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك أي أحاكمك ؛ ومنه : لا تفاتحوا أهل القدر أي لا تحاكموهم ؛ وقيل : لا تبدءوهم بالمجادلة والمناظرة . وفي أسماء الله تعالى الحسنى : الفتاح ؛ قال ابن الأثير : هو الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ؛ وقيل : معناه الحاكم بينهم ؛ يقال : فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما . والفاتح : الحاكم . والفتاح من أبنية المبالغة . وتفتح بما عنده من مال أو أدب : تطاول به ، وهي الفتحة ؛ تقول : ما هذه الفتحة التي أظهرتها وتفتحت بها علينا ؟ قال ابن دريد : ولا أحسبه عربيا . وفاتح الرجل : ساومه ولم يعطه شيئا ، فإن أعطاه ، قيل : فاتكه ؛ حكاه ابن الأعرابي . الأزهري عن ابن بزرج : الفتحى الريح ؛ وأنشد :


                                                          أكلهم لا بارك الله فيهم !     إذا ذكرت فتحى من البيع عاجب

                                                          ؟

                                                          فتحى على فعلى . وفاتحة الشيء : أوله . وافتتاح الصلاة : التكبيرة الأولى . وفواتح القرآن : أوائل السور ، الواحدة فاتحة . وأم الكتاب يقال لها : فاتحة القرآن . والفتح : أن تفتح على من يستقرئك . والمفتح : الخزانة ؛ الأزهري : وكل خزانة كانت لصنف من الأشياء ، فهي مفتح ، والمفتح : الكنز ؛ وقوله تعالى : ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة قيل : هي الكنوز والخزائن ؛ قال الزجاج : روي أن مفاتحه خزائنه . الأزهري : والمعنى ما إن مفاتحه لتنيء العصبة أي تميلهم من ثقلها . وروي عن أبي صالح : ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة قال : ما في الخزائن من مال تنوء به العصبة ؛ الأزهري : والأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله ، والله أعلم بما أراد . وقال : قال الليث : جمع المفتاح الذي يفتح به المغلاق مفاتيح ، وجمع المفتح الخزانة المفاتح ؛ وجاء في التفسير أيضا أن مفاتحه كانت من جلود على مقدار الإصبع ، وكانت تحمل على سبعين بغلا أو ستين ، قال : وهذا ليس بقوي . وروى الأزهري عن أبي رزين قال : مفاتحه خزائنه إن كان لكافيا مفتاح واحد خزائن الكوفة إنما مفاتحه المال ؛ وفي الحديث : أوتيت مفاتيح خزائن الأرض ؛ أراد ما سهل الله له ولأمته من افتتاح البلاد المتعذرات واستخراج الكنوز الممتنعات . والفتوح من الإبل : الناقة الواسعة الأحاليل ، وقد فتحت وأفتحت بمعنى . والنزور : مثل الفتوح . وفي حديث أبي ذر : قدر حلب شاة فتوح ، أي واسعة الأحاليل . والفتح : أول مطر الوسمي ؛ وقيل : أول المطر ، وجمعه ، فتوح ، بفتح الفاء ؛ قال :


                                                          كأن تحتي مخلفا قروحا     رعى غيوث العهد والفتوحا

                                                          ويروى جميم العهد ، وهو الفتحة أيضا . والفتح : الماء الجاري في الأنهار . وناقة مفاتيح وأينق مفاتيحات : سمان ، حكاها السيرافي . والفتح : مركب النصل في السهم ، وجمعه فتوح . والفتح : جنى النبع ، وهو كأنه الحبة الخضراء إلا أنه أحمر حلو مدحرج يأكله الناس . الأزهري : فاتح الرجل امرأته إذا جامعها . وتفاتح الرجلان إذا تفاتحا كلاما بينهما وتخافتا دون الناس . والفتحة : الفرجة في الشيء . والفتاحة : طويرة ممشقة بحمرة . والفتاح : طائر أسود يكثر تحريك ذنبه أبيض أصل الذنب من تحته ومنها أحمر ، والجمع فتاتيح ، ولا يجمع بالألف والتاء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية