الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              744 (باب الدعاء في السجود )

                                                                                                                              وأورده النووي في باب: (ما يقال في الركوع والسجود ) ظنا منه أن هذا الدعاء، هو في سجدة الصلاة.

                                                                                                                              وقد تقدم ما في هذا، من الخلل والزلل.

                                                                                                                              وليس في حديث الباب، ما يعين هذا المراد؛ من علاقة صارفة للمعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، والقرينة التي يعتمد عليها، في فهم هذا المقصود.

                                                                                                                              [ ص: 396 ] (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 200 ج 4 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سمي (مولى أبي بكر ) ؛ أنه سمع أبا صالح (ذكوان ) يحدث عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فأكثروا الدعاء " .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي هريرة ) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" ) .

                                                                                                                              قال النووي : معناه: أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله. "وفيه" الحث على الدعاء في السجود.

                                                                                                                              "وفيه" أن السجود أفضل من القيام، وسائر أركان الصلاة.

                                                                                                                              وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها: أن تطويل السجود، وتكثير الركوع والسجود، أفضل.

                                                                                                                              حكاه الترمذي، والبغوي، عن جماعة.

                                                                                                                              وممن قال بتفضيل تطويل السجود: ابن عمر رضي الله عنهما.

                                                                                                                              [ ص: 397 ] والثاني: مذهب الشافعي، وجماعة: أن تطويل القيام أفضل. لحديث جابر في صحيح مسلم :

                                                                                                                              (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصلاة طول القنوت" ) . والمراد بالقنوت القيام.

                                                                                                                              ولأن ذكر القيام: القراءة. وذكر السجود: التسبيح. والقراءة أفضل. لأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يطول القيام أكثر من تطويل السجود.

                                                                                                                              والثالث: أنهما سواء. وتوقف أحمد بن حنبل رضي الله عنه في المسألة، ولم يقض فيها بشيء.

                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار، فتكثير الركوع والسجود أفضل.

                                                                                                                              وأما في الليل، فتطويل القيام، إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل. لأنه يقرأ جزأه، ويربح كثرة السجود والركوع.

                                                                                                                              وقال الترمذي: إنما قال إسحاق هذا، لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام، ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف بالليل. انتهى.

                                                                                                                              وهذا مبني على أن المراد بهذا السجود: سجود الصلاة.

                                                                                                                              [ ص: 398 ] وقد عرفناك، أن هذا السجود- هو السجود المنفرد-. وقد وردت به وبأنواعه من سجودات التلاوة والشكر، الأحاديث الصحيحة الكثيرة. فحمله على المعنى المجازي، مع تمشية المعنى الحقيقي، لا ينبغي لمن يعرف مدارك الشرع، ويعلم بكيفية الاستدلال.

                                                                                                                              ومن غرائب صنع الله سبحانه في خلقه، غفلة هذه الأئمة في هذا الحديث وما في معناه، عن معناه الحقيقي، وإيثار المجاز والتأويل فيه على الحقيقة الواضحة الظاهرة البينة، والتصريح.

                                                                                                                              وقد أكده قوله صلى الله عليه وسلم: "فأكثروا الدعاء". فتعين أن المراد بهذا الإكثار، هو إكثار الدعوات، في السجدة المنفردة.

                                                                                                                              وما أحسن ما أنشده الإمام المحدث الكبير، أبو بكر بن الحسين البيهقي رضي الله عنه:


                                                                                                                              من اعتز بالمولى فذاك جليل ومن رام عزا عن سواه ذليل ولو أن نفسي مذ براها مليكها
                                                                                                                              مضى عمرها في سجدة لقليل أحب مناجاة الحبيب بأوجه
                                                                                                                              ولكن لسان المذنبين كليل






                                                                                                                              الخدمات العلمية