الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 343 ] 60 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام { في نهيه رديفه عند عثور جمله أو حماره أن يقول : تعس الشيطان }

368 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا محمد بن حمران ، حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي تميمة الهجيمي ، عن أبي المليح ، عن أبيه قال : كنت رديف النبي عليه السلام فعثر بعيري فقلت : تعس الشيطان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تقل : تعس الشيطان ، فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ، ويقول : بقوتي صرعته ، ولكن قل : باسم الله ، فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة } .

369 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن أبي تميمة ، [ ص: 344 ] عن ردف النبي عليه السلام حدثناه مرة هكذا ، وحدثنا به مرة أخرى فقال فيه - أو من حدثني به ، عن ردف النبي عليه السلام - قال : { عثر حمار فقال : تعس الشيطان ، فقال : لا تقل : تعس الشيطان ، ولكن قل باسم الله ، فإنك إذا قلت : تعس الشيطان يعظم حتى يكون مثل الجبل فيقول : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب } .

فكان فيما روينا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم رديفه عند عثور جمله أو حماره عن قوله : تعس الشيطان ، وإخباره إياه عند ذلك بما يكون من الشيطان بسبب هذا القول عند هذه الحادثة .

فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله عليه السلام من { قوله لعثمان بن أبي العاص لما ذكر له أن الشيطان يلبس عليه قراءته وصلاته أن يخسئه } وذلك مثبت منه له . وذكر في ذلك :

370 - ما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو عمر الحوضي ، حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، عن الجريري ، عن يزيد بن عبد الله ، عن مطرف ، [ ص: 345 ] عن عثمان بن أبي العاص قال : { قلت : يا رسول الله ، إن الشيطان يأتيني فيلبس علي قراءتي ، قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أتاك فاخسأه ، ففعلت فذهب عني } .

371 - حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا الفريابي ، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن عثمان ، ولم يذكر مطرفا قال : { قلت : يا رسول الله ، حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي . قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا حسسته فتعوذ بالله ، واتفل عن يسارك ثلاثا } .

فقال هذا المعارض : فهل تجدون وجها يخرج لكل واحد من الحديثين معنى غير معنى الآخر حتى ينتفي عنهما التضاد والاختلاف .

فكان جوابنا له في ذلك أن سلطان الشيطان على بني آدم هو وسوسته إياهم ، وإيقاعه في قلوبهم ما لا يحبون ، وإنساؤه إياهم ما يذكرون .

ومن ذلك قول الله تعالى حكاية عن صاحب موسى عليه السلام : فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره . وقوله تعالى : فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين في قصة نبيه يوسف عليه السلام ، وأشياء من هذا الجنس ، [ ص: 346 ] ولم يجعل له سلطان في إعثار دوابهم ، ولا في استهلاك أموالهم ، وأمروا عند ذلك أن يستعيذوا بالله تعالى منه .

فمن ذلك قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .

فلما كان من ردف النبي عليه السلام عند عثور جمله أو حماره قوله : تعس الشيطان ، والتعس هو السقوط على أنه جعل ذلك فعلا للشيطان لسؤاله بقول : تعس الشيطان أن يفعل به مثل ذلك ، نهاه رسول الله عليه السلام لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه ، ولم يكن منه ، إنما كان من الله عز وجل ، وأمره أن يكون مكان ذلك باسم الله حتى لا يكون عند الشيطان أنه كان منه عنده في ذلك فعل ، ولما كان من تشكي عثمان إليه عليه السلام من الشيطان ما شكاه إليه منه ، مما هو موهوم منه أن يفعله به ؛ لأنه من سلطانه على بني آدم أمره أن يخسأه ، وهو الإبعاد ، ومنه قوله تعالى : قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون فخرج معنى كل واحد من هذين الحديثين بما لا مضادة فيه ، لما في الحديث الآخر منهما ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية