الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 60 ] 610 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبايا الوثنيات من حل وطئهن للمسلمين ومن دليل على نسخ لذلك

3916 - حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا عمر بن يونس اليمامي .

3917 - وحدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي ، ثم اجتمعا فقال كل واحد منهما : حدثني عكرمة بن عمار ، قال : حدثني إياس بن سلمة ، قال : حدثني أبي قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر رضي الله عنه فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فصلى بنا الغداة ، ثم أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء فقتلنا من قتلنا به ، ثم انصرف عنق من الناس فيهم السبايا والذراري قد كادوا أن يسبقوا إلى الجبل ، فطرحت بسهم بينهم وبين الجبل ، وغدوت فوقفوا حتى حلت بينهم وبين الجبل ، وجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم ، معها بنت لها من أحسن العرب ، فسقتهم إلى أبي بكر ، فنفلني أبو بكر ابنتها ، فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : يا سلمة هب لي المرأة ، قلت : [ ص: 61 ] يا نبي الله ، والله لقد أعجبتني ، وما كشفت لها ثوبا ، فسكت حتى كان من الغد لقيني ، فقال لي : يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك ، فقلت : والله ما كشفت لها ثوبا ، هي لك يا رسول الله ، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين .

ففي هذا الحديث قول سلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما استوهبه المرأة : والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا ، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك عليه ، ففي ذلك ما قد دل على أن وطأها قد كان حينئذ يحل له ، وفي مفاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وردها إلى المشركين ما قد دل على ثبوتها على ما كانت عليه ، وعلى أنه لم يكن منها إسلام حل به لسلمة وطؤها .

3918 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني ، قال : حدثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال : حدثني عبد الله بن محيريز الجمحي [ ص: 62 ] أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه بينا هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إنا نصيب سبيا ، فنحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو إنكم لتفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم ، فإنها ليست نسمة كتب الله عز وجل أن تخرج إلا وهي خارجة .

ففي هذا الحديث ما قد دل أيضا على إباحة وطء السبايا ، ولم يكونوا يسبون حينئذ إلا أهل الأوثان .

3919 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا عبد الله بن وهب : أن مالكا حدثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان : أن ابن محيريز حدثه

[ ص: 63 ] أن أبا سعيد حدثه ، أن بعض الناس كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن العزل ، وذلك لشأن غزوة بني المصطلق ، فأصابوا سبايا ، وكرهوا أن يلدن منهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما عليكم أن لا تعزلوا ، فإن الله عز وجل قد قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة .

[ ص: 64 ]

3920 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب قال : وأخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن حبان ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 65 ]

3921 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثني ابن أبي الزناد ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ففي هذا الحديث أن أولئك السبايا كن من بني المصطلق وفي ذلك ما قد دل على حل وطئهن كان حينئذ .

3922 - وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز .

عن أبي سعيد الخدري أنهم أصابوا سبايا يوم أوطاس فأرادوا أن يستمتعوا منهن ولا يحملن فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ فقال : لا عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة .

فخالف موسى بن عقبة في هذا الحديث ربيعة وأبا الزناد فذكر [ ص: 66 ] فيه أن أولئك السبايا من سبايا أوطاس وقال فيه ربيعة وأبو الزناد : إنهن من بني المصطلق وذلك اختلاف شديد ; لأن غزوة بني المصطلق كانت في ست من الهجرة وغزوة أوطاس وهي غزوة حنين كانت بعدها بسنتين وكانت في سنة ثمان من الهجرة ، فنظرنا في حقيقة ذلك من رواية غيرهم ما هي .

3923 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت أبا الوداك .

يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال : ليس من كل الماء يكون الولد ، وإذا أراد الله عز وجل أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء .

[ ص: 67 ]

3924 - ووجدنا بكارا قد حدثنا ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الوداك .

عن أبي سعيد قال : أصبنا نساء يوم حنين فكنا نعزل عنهن نريد الفداء فقلنا لو سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

فوافق أبو الوداك في هذا الحديث ما رواه موسى بن عقبة ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز وخالف ما رواه ربيعة وأبو الزناد .

فقال قائل : هذه آثار صحاح فمن أين رغبتم عنها وتركتم إباحة وطء السبايا الوثنيات ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون ما في هذه الآثار كان قبل إنزال الله على نبيه صلى الله عليه وسلم تحريم المشركات على المؤمنين بقوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة فقال : وهل كن [ ص: 68 ] المشركات قبل نزول هذه الآية حلا للمؤمنين مع ما هن عليه من عبادة الأوثان ؟

فكان جوابنا له في ذلك أنهن قد كن كذلك في صدر الإسلام وإنما حرم ذلك عام الحديبية بعد مجيء أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط ومن جاء سواها من المؤمنات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3925 - حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، قال : حدثنا يحيى القطان ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة .

عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث الحديبية قال : ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز وجل : إذا جاءكم المؤمنات حتى بلغ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية .

3926 - كما حدثنا محمد بن جعفر بن أعين ، قال : حدثنا [ ص: 69 ] إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : حدثنا عبد الرزاق ( ح ) وكما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ففي هذا الحديث بقاء نكاح عمر رضي الله عنه مع تقدم إسلامه وهجرته على هاتين المشركتين الوثنيتين حتى أنزل الله عز وجل فيهما وفي أمثالهما ما أنزل مما لم يصلح معه بقاء نكاحهما عليه ، فدل ذلك أن نكاح أمثالهن قد كان حلالا للمسلمين حتى حرم الله عز وجل ذلك عليهم ، فمثل ذلك ما كان في الوثنيات المسبيات لما عدن إماء كان وطؤهن حلا قبل تحريم الله عز وجل نكاح المشركات ، ثم حرم نكاح المشركات بما ذكرنا فحرمن أيضا بذلك ، وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ما أعلمه به من أجله له ولأمته من النسوة الكافرات ، وهو قوله عز وجل اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، فأعلمه عز وجل من أباحه له ولأمته من الكافرات وبقي من سواهن على تحريمه من حرم عليه وعليهم من المشركات في الآية التي تلوناها في ذلك ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية