الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولئن أصابكم فضل كفتح وغنيمة من الله متعلق بـ(أصابكم) أو بمحذوف وقع صفة لـ(فضل) وفي نسبة إضافة الفضل إلى جانب الله تعالى دون إضافة المصيبة تعليم لحسن الأدب مع الله تعالى، وإن كانت المصيبة فضلا في الحقيقة، وتقديم الشرطية الأولى لما أن مضمونها لمقصدهم أوفق، وأثر نفاقهم فيها أظهر ليقولن ندامة على تثبطه، وتهالكا على حطام الدنيا، وحسرة على فواته، وفي تأكيد القول دلالة على فرط التحسر المفهوم من الكلام، ولم يؤكد القول الأول، وأتى به ماضيا إما لأنه لتحققه غير محتاج إلى التأكيد أو لأن العدول عن المضارع للماضي تأكيد، وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام مراعاة لمعنى (من) وذلك شائع سائغ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة من كلامه تعالى اعتراض بين القول ومقوله الذي هو يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما لئلا يتوهم من مطلع كلامه أن تمنيه المعية للنصرة والمظاهرة حسبما يقتضيه ما في البين من المودة، بل هو للحرص على حطام الدنيا كما ينطق به آخره، فإن الفوز العظيم الذي عناه هو ذلك، وليس إثبات المودة في البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكم، وقيل: الجملة التشبيهية حال من ضمير (يقولن) أي ليقولن مشبها بمن لا مودة بينكم وبينه حيث لم يتمن نصرتكم ومظاهرتكم، وقيل: هي من كلام المبطئ، داخلة كجملة التمني في المقول، أي: ليقولن المبطئ لمن يثبطه من المنافقين وضعفة المؤمنين كأن لم تكن بينكم وبين محمد – صلى الله عليه وسلم – مودة، حيث لم يستصحبكم معه في الغزو حتى تفوزوا بما فاز به المستصحبون يا ليتني كنت معهم إلخ، وغرضه إلقاء العداوة [ ص: 81 ] بينهم وبين رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم – وتأكيدها، وإلى ذلك ذهب الجبائي، وذهب أبو علي الفارسي، والزجاج، وتبعه الماتريدي إلى أنها متصلة بالجملة الأولى، أعني قال: (قد أنعم) إلخ، أي قال ذلك (كأن لم يكن) إلخ، ورده الراغب الأصفهاني بأنها إذا كانت متصلة بالجملة الأولى فكيف يفصل بها بين أبعاض الجملة الثانية، ومثله مستقبح، واعتذر بأن مرادهم أنها معترضة بين أجزاء هذه الجملة ومعناها صريحا متعلق بالأولى وضمنا بهذه، و(كأن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وهو محذوف، وقيل: إنها لا تعمل إذا خففت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ورويس عن يعقوب (تكن) بالتاء لتأنيث لفظ المودة، والباقون (يكن) بالياء للفصل، ولأنها بمعنى الود، والمنادى في (يا ليتني) عند الجمهور محذوف، أي: يا قومي، وأبو علي يقول في نحو هذا: ليس في الكلام منادى محذوف، بل تدخل (يا) خاصة على الفعل والحرف لمجرد التنبيه، ونصب (أفوز) على جواب التمني، وعن يزيد النحوي والحسن (فأفوز) بالرفع على تقدير: (فأنا أفوز) في ذلك الوقت، أو العطف على خبر (ليت) فيكون داخلا في التمني.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية