الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما صاروا يعطون اليتامى أموالهم؛ وصاروا يتزوجون ذوات الأموال منهن؛ ويضاجرون بعضهن; عقب ذلك (تعالى) بالإفتاء في أحوال المشاققة بين الأزواج؛ فقال: وإن امرأة ؛ أي: واحدة؛ أو على ضرائر؛ ولما كان ظن المكروه مخوفا؛ قال: خافت ؛ أي: توقعت؛ [ ص: 422 ] وظنت بما يظهر لها من القرائن؛ من بعلها نشوزا ؛ أي: ترفعا؛ بما ترى من استهانته لها بمنع حقوقها؛ أو إساءة صحبتها؛ أو إعراضا ؛ عنها بقلبه؛ بألا ترى من محادثته؛ ومؤانسته؛ ومجامعته؛ ما كانت ترى قبل ذلك؛ تخشى أن يجر إلى الفراق؛ وإن كان متكلفا لملاطفتها؛ بقوله وفعله؛ فلا جناح ؛ أي: حرج؛ وميل؛ "عليهما أن يصالحا"؛ أي: يوقع الزوجان؛ بينهما ؛ تصالحا؛ ومصالحة؛ هذا على قراءة الجماعة؛ وعلى قراءة الكوفيين بضم الياء؛ وإسكان الصاد؛ وكسر اللام؛ التقدير: "إصلاحا"؛ لكنه لما كان المأمور به يحصل بأقل ما يقع عليه اسم الصلح بنى المصدر على غير هذين الفعلين؛ فقال - مجردا له -: صلحا ؛ بأن تلين هي بترك بعض المهر؛ أو بعض القسم؛ أو نحو ذلك؛ وأن يلين لها هو بإحسان العشرة في مقابلة ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: "ولا جناح عليهما أن يتفارقا على وجه العدل"؛ عطف عليه قوله: والصلح ؛ أي: بترك كل منهما حقه؛ أو بعض حقه؛ خير ؛ أي: من المفارقة التي أشارت إليها الجملة المطوية؛ لأن الصلح مبناه الإحسان الكامل بالرضا من الجانبين؛ والمفارقة مبناها العدل الذي يلزمه في الأغلب غيظ أحدهما؛ وإن كانت مشاركة للصلح في الخير؛ لكنها مفضولة؛ وتخصيص المفارقة بالطي لأن مبنى السورة على المواصلة. [ ص: 423 ] ولما كان منشأ التشاجر المانع من الصلح شكاسة في الطباع؛ صور - سبحانه وتعالى - ذلك؛ تنفيرا عنه؛ فقال - اعتراضا بين هذه الجمل؛ للحث على الجود؛ بانيا الفعل للمجهول؛ إشارة إلى أن هذا المحضر لا يرضى أحد نسبته إليه -: وأحضرت الأنفس ؛ أي: الناظرة إلى نفاستها عجبا؛ الشح ؛ أي: الحرص؛ وسوء الخلق؛ وقلة الخير؛ والنكد؛ والبخل بالموجود؛ وكله يرجع إلى سوء الخلق؛ والطبع الرديء؛ واعوجاج الفطرة الأولى؛ الذي كنى عنه بالإحضار الملازم؛ الذي لا انفكاك له؛ إلا بجهاد كبير؛ يناله به الأجر الكثير.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان هذا خلقا رديئا لم يذكر فاعله؛ والمعنى: أحضرها إياه محضر؛ فصار ملازما لها؛ لا تنفك عنه إلا بتوفيق من الله - سبحانه وتعالى -؛ في قهرها عليه؛ بتذكير ما عنده - سبحانه وتعالى - من حسن الجزاء؛ ولما كان التقدير: "فإن شححتم فإنه أعلم بما في الشح من موجبات الذم"؛ عطف عليه قوله: وإن تحسنوا ؛ أي: توقعوا الإحسان بالإقامة على نكاحكم؛ وما ندبتم إليه من حسن العشرة؛ وإن كنتم كارهين؛ وتتقوا ؛ أي: توقعوا التقوى؛ بمجانبة كل ما يؤذي نوع أذى؛ إشارة إلى أن الشحيح لا محسن؛ ولا متق؛ فإن الله ؛ أي: وهو الجامع لصفات الكمال؛ [ ص: 424 ] كان ؛ أزلا وأبدا؛ بما تعملون ؛ أي: في كل شح وإحسان؛ خبيرا ؛ أي: بالغ العلم به؛ وأنتم تعلمون أنه أكرم الأكرمين؛ فهو مجازيكم عليه أحسن جزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية