الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير: فإذا أتتهم انفكوا، فلقد تفرق المشركون بعد إتيانك وأتت البينة العظمى إليهم إلى مهتد وضال، والضال إلى مجاهر ومساتر، وكذا أهل الكتاب، ثم [ما] اجتمع العرب على الهدى إلا من بعد ما جاءتهم البينة، عطف على هذا الذي أفهمه السياق قوله معلما بزيادة القبح في وقوع الذنب من العالم بإفرادهم بالتصريح عن المشركين: وما تفرق أي الآن وفيما مضى من الزمان تفرقا عظيما الذين ولما كانوا في حال هي أليق بالإعراض، بنى للمفعول قوله: أوتوا الكتاب أي عما كانوا عليه من الإطباق على الضلال أو الوعد باتباع الحق المنتظر في محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا كان فعلهم في عيسى صلى الله عليه وسلم من قبل، فاستمر بعضهم على الضلال وبالغ في نقض العهد والعناد، ووفى بعض بالوعد فاهتدى، وكان تفرقهم لم يعد تفرقا إلا زمنا يسيرا، ثم اجتمعوا فلم يؤمن منهم من يعد [ ص: 191 ] خلافته لباقيهم تفرقا لكونه قليلا من كثير، فلذلك أدخل الجار فقال: إلا من بعد وكان ذلك الزمن اليسير هو بإسلام من أسلم من قبائل العرب الذين كانوا قد أطبقوا على النصرانية من تنوخ وغسان وعاملة وبكر بن وائل وعبد القيس ونحوهم وكذا من كان تهود من قبائل اليمن وأسلم، ثم أطبق اليهود والنصارى على الضلال فلم يسلم منه إلى من لا يعد لقلته مفرقا لهم ما أي الزمن الذي جاءتهم فيه أو مجيء البينة فكان حالهم كما قال سبحانه وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وقد كان مجيء البينة يقتضي اجتماعهم على الحق، لا تفرقهم فيه، وكأنه أشار إلى المشركين بالعاطف ولم يصرح بذكرهم لأنهم كانوا عكس أهل الكتاب لم يتفرقوا إلا زمنا يسيرا في أول الأمر، فكان الضال منهم أكثر، ثم أطبقوا على الهدى لما لهم من قويم الطبع ومعتدل المزاج، فدل ذلك على غاية العوج لأهل الكتاب لأنهم كانوا لما عندهم من العلم أولى من المشركين بالاجتماع على الهدى، ودل ذلك على أن وقوع اللدد والعناد من العالم أكثر، وحصوله الآفة لهم من قوة ما لطباعهم من كدر النقص بتربيته وتنميته [ ص: 192 ] بالمعاصي من أكل السحت من الربا وغيره من الكبائر والتسويف بالتوبة، فألفت ذلك أبدانهم فأشربته قلوبهم حتى تراكم ظلامها، وتكاثف رينها وغمامها، فلما دعوا لم يكن عندهم شيء من نور تكون لهم به قابلية الانقياد للدعاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية