الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون

                                                                                                                                                                                                                                        (42) يخبر تعالى عن بعض المكذبين للرسول، ولما جاء به، ( و ) إن " منهم من يستمعون " إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقت قراءته للوحي، لا على وجه الاسترشاد، بل على وجه التفرج والتكذيب وتطلب العثرات، وهذا استماع غير نافع، ولا مجد على أهله خيرا، لا جرم انسد عليهم باب التوفيق، وحرموا من فائدة الاستماع، ولهذا قال: أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون وهذا الاستفهام، بمعنى النفي المتقرر، أي: لا تسمع الصم الذين لا يستمعون القول ولو جهرت به، وخصوصا إذا كان عقلهم معدوما.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا كان من المحال إسماع الأصم الذي لا يعقل للكلام، فهؤلاء المكذبون، كذلك ممتنع إسماعك إياهم، إسماعا ينتفعون به.

                                                                                                                                                                                                                                        وأما سماع الحجة، فقد سمعوا ما تقوم عليهم به حجة الله البالغة، فهذا طريق عظيم من طرق العلم قد انسد عليهم، وهو طريق المسموعات المتعلقة بالخبر.

                                                                                                                                                                                                                                        (43) ثم ذكر انسداد الطريق الثاني، وهو: طريق النظر فقال: ومنهم من ينظر إليك فلا يفيده نظره إليك، ولا سبر أحوالك شيئا، فكما أنك لا تهدي العمي [ ص: 714 ] ولو كانوا لا يبصرون، فكذلك لا تهدي هؤلاء.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا فسدت عقولهم وأسماعهم وأبصارهم التي هي الطرق الموصلة إلى العلم ومعرفة الحقائق، فأين الطريق الموصل لهم إلى الحق؟

                                                                                                                                                                                                                                        ودل قوله: ومنهم من ينظر إليك الآية، أن النظر إلى حالة النبي صلى الله عليه وسلم، وهديه وأخلاقه وأعماله وما يدعو إليه من أعظم الأدلة على صدقه وصحة ما جاء به، وأنه يكفي البصير عن غيره من الأدلة.

                                                                                                                                                                                                                                        (44) وقوله: إن الله لا يظلم الناس شيئا فلا يزيد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        ولكن الناس أنفسهم يظلمون يجيئهم الحق فلا يقبلونه، فيعاقبهم الله بعد ذلك بالطبع على قلوبهم، والختم على أسماعهم وأبصارهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية