الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 577 ] باب اختلاف المتبايعين [ وتحالفهما ]

                                                                                                                                                                        إذا اختلفا في قدر الثمن ، أو جنسه ، أو صفته ، أو شرط الخيار أو الأجل ، أو قدرهما ، أو في شرط الرهن أو الكفيل مع الاتفاق على عقد صحيح ، فإن كان لأحدهما بينة ، قضي بها . فإن أقاما بينتين وقلنا بالتساقط ، فكأنه لا بينة ، وإلا ، توقفنا إلى ظهور الحال . وإن لم تكن بينة تحالفا ، سواء كانت السلعة باقية أو تالفة ، وسواء اختلف المتبايعان أو ورثتهما ، وكذا لو اختلفا في قدر المبيع ، فقال البائع : بعتك العبد بألف ، فقال : بعتنيه مع الجارية بألفين ، تحالفا . فلو قال البائع : بعتك العبد ، فقال : بل الجارية ، واتفقا على الثمن ، فإن كان الثمن معينا ، تحالفا . وإن كان في الذمة ، فوجهان . أحدهما : يتحالفان ، قاله ابن الحداد ، واختاره القاضي أبو الطيب ، وابن الصباغ . والثاني : لا ، قاله الشيخ أبو حامد ، واختاره الإمام ، وصاحب " التهذيب " . فإن قلنا : لا تحالف ، حلف كل واحد على نفي ما ادعى عليه فقط ، ولا يتعلق بيمينيهما فسخ ولا انفساخ . ولو كانت بحالها وأقام كل واحد بينة توافقه ، سلمت الجارية للمشتري . وأما العبد ، فقد أقر البائع ببيعه ، وقامت البينة عليه . فإن كان في يد المشتري ، أقر عنده . وإن كان في يد البائع ، فوجهان . أحدهما : يسلم إلى المشتري ويجبر على قبوله . والثاني : لا يجبر ، بل يقبضه الحاكم وينفق عليه من كسبه . فإن لم يكن له كسب ، ورأى الحظ في بيعه وحفظ ثمنه ، فعل .

                                                                                                                                                                        [ ص: 578 ] فرع

                                                                                                                                                                        يجري التحالف في جميع عقود المعاوضات ، كالسلم ، والإجارة والقراض ، والمساقاة ، والجعالة ، والصلح عن الدم ، والكتابة . ثم في البيع ونحوه يفسخ العقد بعد التحالف ، أو ينفسخ ويترادان ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وفي الصلح عن الدم ، لا يعود استحقاقه ، بل أثر التحالف الرجوع إلى الدية ، وكذا لا يرجع البضع ، بل في النكاح ترجع المرأة إلى مهر المثل . وفي الخلع يرجع إليه الزوج .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : إن قيل : أي معنى للتحالف في القراض ، مع أن لكل واحد فسخه بكل حال ، وقد منع القاضي حسين التحالف في البيع في زمن الخيار ، لإمكان الفسخ بالخيار ؟

                                                                                                                                                                        فالجواب : أن التحالف ما وضع للفسخ ، بل عرضت الأيمان رجاء أن ينكل الكاذب ، فيقرر العقد بيمين الصادق . فإن لم يتفق ذلك وأصرا ، فسخ العقد للضرورة . ونازع القاضي فيما ذكره ، ثم مال إلى موافقته ، ورأى في القراض أن يفصل فيقال : التحالف قبل الشروع في العمل لا معنى له ، وبعده يؤول النزاع إلى مقصود من ربح أو أجرة مثل ، فيتحالفان والجعالة كالقراض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قال : بعتك هذا بألف ، فقال : بل وهبتنيه ، فلا تحالف إذا لم يتفقا على عقد ، بل يحلف كل واحد على نفي ما يدعى عليه . فإذا حلفا ، لزم مدعي الهبة رده بزوائده على المشهور . وفي قول : القول قول مدعي الهبة . وشذ صاحب [ ص: 579 ] " التتمة " فحكى وجها : أنهما يتحالفان ، وزعم أنه الصحيح . ولو قال : بعتكه بألف ، فقال : وهبتنيه ، حلف كل واحد على نفي ما ادعي عليه ، ورد الألف ، واسترد العين . ولو قال : وهبتكه بألف استقرضته ، فقال : بل بعتنيه ، فالقول قول المالك مع يمينه ، ويرد الألف ، ولا يمين على الآخر ، ولا يكون رهنا ؛ لأنه لا يدعيه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية