الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى : { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا } . فيها خمس مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : المولى في لسان العرب ينطلق على ثمانية معان ، قد بيناها في كتاب " الأمد " وغيره ، وأصله من الولي وهو القرب ، وتختلف درجات القرب وأسبابه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : معناه مولى العصبة ; قاله مجاهد وابن عباس ، وهذا صحيح لقوله بعد ذلك : { مما ترك الوالدان والأقربون } . وليس بعد الوالدين والأقربين إلا العصبة ، ويفسره ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم : { ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر } . [ ص: 528 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : المولى المنعم بالعتق في حكم القريب ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { للولاء لحمة كلحمة النسب } . وليس المنعم عليه بالعتق نسيبا ولا وارثا ; وإنما ثبت حكم النسب من إحدى الجهتين ، فكأن الولاء أبوة لأنه أوجده بالعتق حكما ، كما أوجد الأب ابنه بالاكتساب للوطء حسا .

                                                                                                                                                                                                              قال طاوس والحسن بن زياد : هو وارث ; لأن حكم النسب إذا ثبت من إحدى الجهتين وجب أن يثبت من الأخرى ، لا سيما وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { مولى القوم منهم } . واستهان العلماء بهذا الكلام ، وهي في غاية الإشكال ، وقد أجابوا عنه بأن الميراث إنما هو في مقابلة الإنعام بالعتق ; وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله لحمة كلحمة النسب .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن الإنعام بالعتق لا مقابل له إلا العتق من النار حسبما قابله [ به ] النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : { أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار } . وليس في المسألة عندي متعلق إلا الإجماع السابق لطاوس فيه ولمن قاله بعده .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية