الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 289 ] باب صلاة الخوف ( إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين : طائفة إلى وجه العدو ، وطائفة خلفه ، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو ، وجاءت تلك الطائفة فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ، ولم يسلموا ، وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعة وسجدتين وحدانا بغير قراءة ) لأنهم لاحقون ( وتشهدوا وسلموا ، ومضوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة ) لأنهم مسبوقون . ( وتشهدوا وسلموا ) والأصل فيه رواية ابن مسعود رضي الله عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى صلاة الخوف }على الصفة التي قلنا . [ ص: 290 ] وأبو يوسف رحمه الله وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الأول : روى ابن مسعود ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على هذه الصفة يعني أنه جعل الناس طائفتين }: طائفة : خلفه وطائفة : على وجه العدو ، فصلى [ ص: 290 ] بتلك الطائفة ركعة وسجدتين ، فلما رفع رأسه من السجدة الثانية مضت الطائفة التي خلفه ، إلى وجه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلى بهم ركعة وسجدتين ، وتشهد ، وسلم ، ولم يسلموا ، وذهبوا إلى وجه العدو ، وجاءت الطائفة الأولى ، فصلوا ركعة وسجدتين ، وحدانا ، بغير قراءة ، وتشهدوا ، وسلموا ، ومضوا إلى وجه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى ، فصلوا ركعة وسجدتين ، بقراءة ، وتشهدوا ، وسلموا ، قلت : أخرجه أبو داود في " سننه " عن خصيف الجزري عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاموا صفا خلفه ، وصف مستقبل العدو ، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ، ثم جاء الآخرون ، فقاموا في مقامهم ، واستقبل هؤلاء العدو ، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ، ثم سلم ، فقام هؤلاء ، فصلوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلموا ، ثم ذهبوا ، فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ، ورجع أولئك إلى مقامهم ، فصلوا لأنفسهم ركعة ، ثم سلموا . انتهى ورواه البيهقي ، وقال : أبو عبيدة ، لم يسمع من أبيه ، وخصيف ليس بالقوي ، ويمكن من أن يحمل عليه حديث ابن عمر ، أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " ، واللفظ للبخاري ، قال : { غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فوازينا العدو ، فصاففنا لهم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا ، فقامت طائفة معه تصلي ، وأقبلت طائفة على العدو ، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه ، وسجد سجدتين ، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل ، فجاءوا ، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة ، وسجد سجدتين ، ثم سلم ، فقام كل واحد منهم ، فركع لنفسه ركعة ، وسجد سجدتين }. انتهى .

                                                                                                        قال القرطبي في " شرح مسلم " : والفرق بين حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود ، أن في حديث ابن عمر ، كان قضاؤهم في حالة واحدة ، ويبقى الإمام كالحارس وحده ، وفي حديث ابن مسعود ، كان قضاؤهم متفرقا على صفة صلاتهم ، وقد تأول بعضهم حديث ابن عمر ، على ما في حديث ابن مسعود ، وبه أخذ أبو حنيفة وأصحابه ، غير أبي يوسف ، وهو نص أشهب ، من أصحابنا ، خلاف ما تأوله ابن حبيب ، والله أعلم . انتهى

                                                                                                        قوله : وأبو يوسف ، وإن أنكر شرعيتها في زماننا ، فهو محجوج بما روينا ، قلت : [ ص: 291 ] يشير إلى حديث ابن مسعود المتقدم ، وهذا الاحتجاج فيه نظر ; لأن أبا يوسف إنما ينكر شرعيتها بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكون النبي صلى الله عليه وسلم فعلها لا يرد عليه ; لأنه يقول به ، وتبع أبا يوسف في هذه المقالة المزني ، ومستندهم خصوص الخطاب به عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة }الآية . ولأن فيها أفعالا منافية للصلاة ، فيقتصر على مورد الخطاب ، ودليل الجمهور وجوب الاتباع والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وقوله : { صلوا كما رأيتموني أصلي }والأفعال المنافية إنما هي لأجل الضرورة ، وهي موجودة بعده عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                        قلت : قد وردت صلاة الخوف من قوله عليه الصلاة والسلام ، لا من فعله ، كما رواه البخاري في " صحيحه في تفسير سورة البقرة في باب قوله تعالى{ فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }حدثنا عبد الله بن يوسف أنا مالك ، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف ، قال : يتقدم الإمام وطائفة من الناس ، فيصلي بهم الإمام ركعة ، وتكون طائفة منهم ، بينهم وبين العدو ، لم يصلوا ، فإذا صلى الذين معه ركعة ، استأخروا مكان الذين لم يصلوا ، ولا يسلمون ، ويتقدم الذين لم يصلوا ، فيصلون معه ركعة ، ثم ينصرف الإمام ، وقد صلى ركعتين ، فيقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة ، بعد أن ينصرف الإمام ، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين ، فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما ، على أقدامهم ، أو ركبانا ، مستقبلي القبلة ، أو غير مستقبليها ، قال مالك : قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك ، إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الترمذي وابن ماجه ، قالا : حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة ، أنه قال في صلاة الخوف : قال : يقوم الإمام مستقبل القبلة ، وتقوم طائفة منهم معه ، وطائفة من قبل العدو ، ووجوههم إلى العدو ، فيركع بهم ركعة ، ويركعون لأنفسهم ركعة ، ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم ، ثم يذهبون إلى مقام أولئك ، ويجيء أولئك ، فيركع بهم ركعة ، ويسجد بهم سجدتين ، فهي له ثنتان ، ولهم واحدة ، ثم يركعون ركعة ، ويسجدون سجدتين ، قال محمد بن بشار : سألت يحيى بن سعيد القطان عن هذا الحديث ، فحدثني عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، لم يرفعه يحيى بن سعيد [ ص: 292 ] الأنصاري عن القاسم بن محمد ، ورفعه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد . انتهى وفيه أيضا آثار : منها : ما رواه أبو داود في " سننه " حدثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي ، أخبرني أبي أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل فصلى بنا صلاة الخوف " يعني بمثل حديث ابن مسعود " ذكره عقيب حديث ابن مسعود ، ينبغي أن ينظر في الآثار التي عن الصحابة الذين صلوا صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم أو في زمانه .




                                                                                                        الخدمات العلمية