الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان في هذا تهديد بليغ؛ وتعريف بسعة الملك؛ وكمال التصرف؛ وكان مدار أحوال المتشاححين في الإرث؛ وحقوق الأزواج؛ وغيرها الأمر الدنيوي؛ وكان - سبحانه وتعالى - قد بين فيما مضى أن مبنى أحوال المنافقين على طلب العرض الفاني خصوصا؛ قصة طعمة بن أبيرق؛ الراضي لنفسه بالفضيحة في نيل شيء تافه; قال (تعالى) - تفييلا لآرائهم؛ وتخسيسا لهممهم؛ حيث نزلوا إلى الأدنى؛ مع القوة على طلب الأعلى؛ مع طلب الأدنى أيضا منه (تعالى) ؛ فلا يفوتهم شيء من معولهم؛ مع إحراز الأنفس -: من كان يريد ثواب الدنيا ؛ لقصور نظره على المحسوس الحاضر؛ مع خسته؛ كالبهائم؛ فعند ؛ أي: فليقبل إلى الله؛ فإنه عند الله ؛ أي: الذي له الكمال المطلق؛ ثواب الدنيا ؛ الخسيسة الفانية؛ والآخرة ؛ أي: النفيسة الباقية؛ فليطلبها منه؛ فإنه يعطي من أراد ما شاء؛ ومن علت همته عن ذلك؛ فأقبل بقلبه إليه؛ وقصر همه عليه؛ فلم يطلب إلا الباقي؛ جمع - سبحانه وتعالى - له بينهما؛ كمن يجاهد لله خالصا؛ فإنه يجمع له بين الأجر؛ والمغنم؛ وما أشد التئامها مع ذلك بما قبلها! لأن من كان تام القدرة؛ واسع الملك كان كذلك. [ ص: 431 ] ولما كان الناشئ عن الإرادة إما قولا أو فعلا؛ وكان الفعل قد يكون قلبيا قال: وكان الله ؛ أي: المختص بجميع صفات الكمال؛ سميعا ؛ أي: بالغ السمع لكل قول؛ وإن خفي؛ نفسيا كان أو لسانيا؛ بصيرا ؛ أي: بالغ البصر لكل ما يمكن أن يبصر من الأفعال؛ والعلم بكل ما يبصر؛ وما لا يبصر؛ منها ومن غيرها؛ فيكون من البصر؛ ومن البصيرة؛ فليراقبه العبد قولا وفعلا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية