الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 660 ] 98 - باب

                                الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

                                485 507 - حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي البصري: ثنا معتمر بن سليمان عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض راحلته فيصلي إليها. فقلت: أفرأيت إذا هبت الركاب؟ قال: كان يأخذ الرحل فيعدله، فيصلي إلى آخرته - أو قال: مؤخرته - وكان ابن عمر يفعله

                                التالي السابق


                                قد ذكرنا في "باب الصلاة في مواضع الإبل" الاختلاف في رفع هذا الحديث ووقفه، وحكم الاستتار بالبعير في الصلاة.

                                وقوله: "يعرض راحلته" بكسر الراء - أي: ينيخها معترضة بينه وبين جهة القبلة.

                                وفيه لغة أخرى: يعرض - بضم الراء - ذكرها صاحب "كشف المشكل".

                                وقوله: "هبت الركاب" معناه: قامت الإبل للسير -: قاله الهروي وغيره.

                                ويقال للنائم إذا قام من نومه: هب من منامه.

                                والمراد: إذا لم يكن عنده إبل باركة يستتر بها.

                                وقال الخطابي : هبت: أي هاجت، يقال: هب الفحل هبيبا إذا هاج.

                                قال: يريد أن الإبل إذا هاجت لم تهدأ، ولم تقر، فتفسد على المصلي إليها صلاته.

                                وهذا الذي قاله في غاية البعد، وإن كان محتملا في اللفظ، فليس هو المراد في الحديث.

                                [ ص: 661 ] وقوله: "يأخذ الرحل" رحل البعير، هو ما على ظهره مما يركب عليه، والراحلة: هي ما يرتحله الرجل - أي: يركبه في ارتحاله، بعيرا كان أو ناقة - قاله الأزهري وغيره.

                                ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة، ليست فيها راحلة".

                                وقوله: "فيعدله" بفتح الياء وكسر الدال.

                                قال الخطابي : أي يقيمه تلقاء وجهه.

                                و"آخرة الرحل" - بكسر الخاء -: هي الخشبة التي يستند إليها الراكب على الرحل.

                                وقد سبق الخلاف في تقديرها: هل هو ذراع تام بالذراع الذي يذرع به، أو ذراع بعظم ذراع الإنسان، وهو نحو ثلثي ذراع مما يذرع به؟

                                ويقال في آخرة الرحل: مؤخرة الرحل.

                                واختلفوا في ضبطها:

                                فمنهم من ضبطها بضم الميم وسكون الهمزة، وكسر الخاء المعجمة.

                                وقد حكاها أبو عبيد ، وأنكرها ابن السكيت وغيره.

                                وقال بعضهم: لا يقال: مؤخر ومقدم - بكسر - إلا في العين خاصة، وإنما يقال في غيرها بالفتح.

                                وضبطها بعضهم بسكون الهمزة، وفتح الخاء وتخفيفها.

                                ذكره ثابت في "دلائله" وأنكر ذلك ابن قتيبة وغيره.

                                [ ص: 662 ] وضبطها الأصيلي في نسخته بالبخاري - فيما حكى عنه - بفتح الميم وسكون الواو وكسر الخاء.

                                وضبطها بعضهم بضم الميم وفتح الهمزة والخاء وتشديدها.

                                ذكره صاحب "المشارق" وأنكرها صاحب "النهاية".

                                وقال بعضهم: المحدثون يروونه بتشديد الخاء، والصواب: آخرة.

                                وقد تبين بهذا الحديث الذي ذكره البخاري في "صحيحه" جواز الاستتار بالراحلة وبالبعير، سواء كان مرتحلا أو غير مرتحل، اللهم إلا أن يكون غير المرتحل هائجا، فيخشى من هيجانه إفساد الصلاة على من يصلي إليه كما ذكره الخطابي .

                                وجواز الاستتار برحل الراحلة.

                                وأما الشجر، فذكره البخاري في تبويبه، ولم يذكر فيه شيئا، وهو مأخوذ من الاستتار بالرحل; فإن الرحل خشب، والخشب مأخوذ من الشجر، فإذا ثبت جواز الاستتار في الصلاة بالخشب دل على جواز الاستتار بالشجر قبل قطعه.

                                وفيه حديث ليس على شرط البخاري من رواية أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي ، قال: لقد رأيتنا ليلة بدر، وما فينا إنسان إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتى أصبح .

                                خرجه الإمام أحمد والنسائي .

                                وابن حبان في "صحيحه" وعنده: "تحت شجرة".

                                وقد رواه بعضهم، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي .

                                [ ص: 663 ] ورواه غيره، عن أبي إسحاق ، عن البراء .

                                والصحيح: عن حارثة ، عن علي -: قاله الدارقطني .

                                وخرج أبو داود بإسناد فيه نظر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: "هذه قبلتنا" ثم صلى إليها .

                                وقد سبق حديث المقداد ، أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر.



                                الخدمات العلمية