الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 294 ] سفك دمائهم وإخراجهم وأسرهم

                                                          وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون

                                                          * * *

                                                          إن اليهود قد أصابهم ما أصاب الأمم من تفكك في وحدتهم ، فكانوا يتسافكون دماءهم ويمالئ بعضهم جماعات أخرى بينهم وبينهم حرب ، فينضم فريق منهم إلى بعض المتقاتلين ، وآخرون إلى غيرهم فيقاتل بعضهم بعضا ، في ظل العدوين المتقاتلين ، وقد أخذ الله تعالى عليهم العهد بمنع سفك دمائهم ، وأخذ عليهم العهد بألا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم ، ومع أن ذلك العهد حفظ لجميعهم وحقن لدمائهم ويفرض التعاون بينهم - خالفوه .

                                                          وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم كان الميثاق ألا يسفك بعضهم دماء بعض فلا يتقاتلوا ولا ينضموا إلى قوم يقاتلون أحدا [ ص: 295 ] منهم ، وعبر الله تعالى عن ذلك بقوله : لا تسفكون دماءكم بصيغة الخبر الدالة على النهي وعبر عن التقاتل بينهم بقوله : لا تسفكون دماءكم فنسب السفك المنهي عنه إليهم والدماء إليهم للإشارة إلى الفعل ليعود على جميعهم بسفك الدماء ، وإهدار الأنفس ، لأنه إذا كان القاتل والمقتول من أسرة واحدة ، فقد قتلت نفسها ، وسفكت دمها ، وأهدرت أهلها .

                                                          ومنع سبحانه وتعالى أن يخرج بعضهم من دياره ، وعبر عن ذلك المنع بقوله تعالى : ولا تخرجون أنفسكم من دياركم فالخبر هنا في معنى النهي عن ذلك ، والتعبير عن إخراج البعض بأنه إخراج لأنفسهم بيان الاجتماع على أن يكونوا أمة واحدة متآزرة بحيث تكون إصابة عضو منها إصابة لجميعها ، فإخراج بعضهم لبعض إخراج لكلهم إذ يفرق جمعهم ، ولأنه يطمع فيهم أعداؤهم ، فيخرجهم جميعا ، فإخراج بعضهم يسهل إخراج كلهم .

                                                          وإن هذا الميثاق قد أخذه الله تعالى عليهم وأقروا به وشهدوه ، ولذا قال تعالى موثقا ذلك الميثاق بقوله تعالى : ثم أقررتم وأنتم تشهدون أي أنتم الحاضرون أقررتم ما أخذ على أسلافكم من هذا الميثاق ، وأنتم تشهدون مؤمنين بصدقه .

                                                          وكان الخطاب في الإقرار والشهادة للذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنهم الذين نقضوا العهد ظاهرا ، وهم الذين سفكوا دماءهم ، وهم الذين أخرجوا فريقا منهم ، وإن كان الاحتمال بأن ذلك حصل من بعضهم في الماضي ليس ببعيد فقد تشابه في مخالفة الميثاق الخلف مع السلف ، وهم جميعا في إثم مبين ، وعدوان ظاهر .

                                                          وإذا كان ذلك الميثاق حفظا لوحدتهم ولجمعهم فقد نقضوه ، وقتل بعضهم بعضا ، وأخرج فريق منهم الآخر من داره ، ولقد قال تعالى في ذلك : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم العطف هنا بـ ثم للبعد المعنوي بين الميثاق الذي أخذ عليهم وأقروه بألسنتهم وشهدوا عليه بقلوبهم ، وبين الحال التي وجدوا فيها من أنهم قتلوا أنفسهم بأن تقاتلوا فيما بينهم سواء أكان قتالهم لأنفسهم [ ص: 296 ] بأنفسهم ، أم كانوا قد انضم فريق إلى قوم عدو لقوم آخر وتقاتل الإسرائيليون مع أنفسهم في ظل آخرين ، وكان كل فريق من اليهود يعاون من يظاهره من أهل الشرك على قومه بالإثم والعدوان ، وفي ذلك سفك لدمائهم .

                                                          وإن ذلك التعاون مع آخرين متعادين اقتضى أن يخرج فريق منهم من ديارهم ، وذلك لأجل القتال الذي انضم فيه كل فريق من اليهود إلى فريق المشركين المتقاتلين ; ولذا قال تعالت كلماته : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان

                                                          روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله تعالى : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم الآية : أنبأهم الله تعالى بذلك من قبل وقد حرم عليهم سفك دمائهم وافترض عليهم فيها فداء أسراهم ، فكانوا فريقين طائفة منهم بنو قينقاع وهم حلفاء الخزرج والنضير وقريظة وهم مع الأوس فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج ، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل واحد من الفريقين حليفه على إخوانه حتى تسافكوا دماءهم بينهم ، وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما لهم وما عليهم ، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنة ولا نارا ولا حلالا ولا حراما ، ولا بعثا ولا قياما ولا كتابا .

                                                          وخلاصة هذه الرواية عن ابن عباس الذي سماه التابعون ترجمان القرآن : أن سفك اليهود لدمائهم كان في العصر القريب للهجرة عندما كانت الحرب مشبوبة بين الأوس والخزرج ، وكانوا على شفا حفرة من النار ، كما أخبر القرآن العزيز ، وأن اليهود لم يقفوا محايدين كما هو واجب الجوار بل تدخلوا ليوسعوا شقة الخلاف ويؤرثوا نيران الحرب لتستمر مستعرة فكان مع الخزرج بنو قينقاع ، وكانوا حلفاء لهم ، ومع الأوس النضير وقريظة ، فتقاتل الفريقان كل في صفه ، وأخرج كل فريق الآخر من داره ، فكان هذا نقضا للعهد الذي أقروه وصدقوه وشهدوه .

                                                          وعلى ذلك يكون الخطاب في قوله : ثم أنتم هؤلاء لليهود الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - والإشارة إليهم ، وكانت الإشارة مع الخطاب لبيان الصفات القائمة فيهم ، فالمعنى أنتم ترون أنكم تقتلون أنفسكم ، وتخرجون فريقا منكم من ديارهم .

                                                          [ ص: 297 ] ومن الغريب أنهم كانوا يتقاتلون غير متأثمين ، ولا متحرجين من أن يقتل بعضهم بعضا ، ويخرج فريق الآخر من داره ومع ذلك إذا وقع أحدهم في أسر من أي الفريقين فادوه ، ولذا قال تعالى : وإن يأتوكم أسارى تفادوهم إنهم يظاهرون على إخوانهم بالإثم والعدوان ، ومع ذلك إذا جاءوكم مأسورين دفعتم فديتهم لتفكوا عانيهم ، للذين كانوا سببا في أسرهم ، وشدوا الوثاق عليهم ، فلو أن الفريق الذي تحاربون معه أسر أسرى من اليهود الذين يعاونون خصمه ، وجاء إليكم هؤلاء الأسرى فإنكم تدفعون فديتهم لحليفكم الذي أسرهم ، وهذا غريب متناقض . . أولا : لأنكم جعلتموهم مقاتلين وسفكتم دماءهم وقتلتموهم فكيف تحمون حريتهم وأنتم الذين أخرجتموهم للقتال بسبب مناصرتكم لحلفائهم ، ومناصرتهم لحلفائهم " ولذلك يقول تعالى تنديدا بحالهم وتناقضهم : وهو محرم عليكم إخراجهم

                                                          ومعنى تفادوهم أي تدفعون دياتهم ، لأن فدى ويفادي تدل على أحد معنيين إما أخذ الفدية ممن يدفعها أو دفعها ، وتفسر هنا بمعنى دفعها ; لأنه المناسب للمقام من حيث وقوعهم في التناقض في أوامر دينهم وميثاقهم فهم قد أخرجوا إخوانهم للقتال ومع ذلك إذا وقعوا في الأسر قدموا فديتهم اعتمادا على نص عندهم يقول : ( إذا رأيت أخاك الآخر مملوكا فأخرجه من رقه ) وبالتالي إذا رآه مأسورا أخرجه من أسره وإنه كان عليه ألا يكون سببا في إخراجه ، وإنه محرم عليه إخراجه فلا يكون سبب الرق لذا قال تعالى : وهو محرم عليكم إخراجهم والحال والحكم الثابت المبين أنه محرم عليكم أن تخرجوهم ، فإذا كان محرما عليكم ألا تتركوهم أسرى ، فإنه من المحرم عليكم قبل ذلك ألا تخرجوهم فيكون ذلك سبب الأسر .

                                                          ولذلك قال تعالى مستنكرا حالهم : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الفاء للإفصاح عن شرط مقدر ، تقديره إذا كانت هذه حالكم فأنتم تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، والهمزة للاستفهام قدمت على الفاء لأن الاستفهام له الصدارة دائما .

                                                          [ ص: 298 ] والاستفهام إنكاري لإنكار الواقع لأنهم بعملهم هذا يؤمنون ببعض الكتاب وهو تحريم البقاء على الأسر ، ويكفرون ببعضه الآخر ، وهو تحريم سفك دمهم ، وإخراجهم من ديارهم للقتال ، فهو استفهام لإنكار الواقع ، ولومهم عليه ، وبيان أنه تناقض في إيمانهم ينفذون ما يكون هواهم في تنفيذه ، ويجحدون بما لا يكون لهم هوى في تنفيذه فاتخذوا إلههم هواهم .

                                                          وإن هذا يؤدي إلى هوانهم وذلهم ووصفهم بالعار الدائم ; ولذا قال سبحانه فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا الخزي : الهوان والعار والذلة ، والفاء للترتيب ، فإن الأمر الذي يترتب على تسليم أنفسهم لسفك دمائهم وإخراجهم من ديارهم يترتب عليه خزيهم بتسليم أنفسهم ، وعار لخيانتهم لأقوامهم ، ووراء ذلك كله الذلة وهوان أمرهم بين الناس ، وإن ذلك جزاء مأخوذ من العمل في ذاته ، ولذلك بين القرآن الكريم أنه لا جزاء سواه ، وذلك بالنفي والإثبات بالاستثناء ، أي : أن الذين يفعلون ذلك الفعل لا جزاء لهم إلا العار والذلة والمهانة ، وإذا كان ذلك هو المتعين جزاء فهو من الفعل في ذاته ; ولذلك كانت الإشارة إليه في قوله : ذلك إشارة أن الفعل ذاته هو العلة .

                                                          والحياة الدنيا هي الحياة الحاضرة ، وسميت الدنيا ، فهي مؤنث أدنى ; لأنها القريبة المرئية المحسوسة ، والحياة الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة التي تكون سعادة دائمة ، أو شقوة مستمرة .

                                                          وإذا كان ذلك جزاء في الدنيا ، فجزاء الآخرة أشد وأبقى ; ولذلك قال تعالى : ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ويوم القيامة هو يوم الحساب والعقاب أو الثواب ، بعد البعث والنشور ، وقوله تعالى : يردون إلى أشد العذاب يفيد بإشارة اللفظ إلى أنه مرجعه إلى عذاب سابق ، فالخزي عذاب دنيوي نتيجة لفعلهم ، وهذه هي الدفعة الأولى ، ويردون بعد ذلك إلى أخرى يوم القيامة فيها أشد العذاب وأنكله .

                                                          وقد بين سبحانه وتعالى أن حسابهم عند الحكيم العليم الذي لا يخفى عليه شيء ، ولا يغفل عن شيء ; ولذا قال تعالى : وما الله بغافل عما تعملون [ ص: 299 ] نفى الله تعالى بهذا النص السامي نفيا مؤكدا أن الله غافل عما يفعلون ، فإذا كانوا هم ينسون ما يفعلون من آثام لاستمرائهم لها ، واستمرارهم عليها ، فالله تعالى لا ينساها ، وقد أكد سبحانه نفي ذلك بالباء في قوله تعالى : بغافل وبنفي وصف الغفلة عن ذاته العلية ، بأن الغفلة ليست من شئونه ، وقوله تعالى : عما تعملون إشارة إلى إحصائه سبحانه وتعالى أعمالهم حال عملها وحال تلبسهم بآثامها .

                                                          * * *

                                                          تنبيه : هذه الآيات نزلت في بني إسرائيل ، والخطاب لهم ابتداء ، ولكنه شامل عام في عبرته بالنسبة للأمم جميعها ، وخصوصا الأمم التي تقوم على مبادئ رسالة إلهية من السماء ، فإنها يجب أن تكون بناء واحدا قائما لا تتداعى لبناته فيهوي ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أمته : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " . وأوجب الإسلام على المسلم أن يعين أخاه المسلم في شدته وكربته ، فقال : " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه " ومع ذلك فعلنا الكثير نحن المسلمين في عصرنا ، وهو امتداد لعصور قبلنا من العصر العباسي الثاني إلى اليوم ، سفكنا دماءنا بأيدينا لهوى الملوك ، وفساد الحكام ، فكانت الحرب بين المسلمين شديدة لحية ، وصار كل فريق يرى في الآخر عدوه الذي ينتهز الفرص للقضاء عليه ، وصار بعضهم يغري أعداء الإسلام من الوثنيين وغيرهم بالمسلمين ، حتى وقعوا بالمسلمين وحاربوهم حرب إفناء .

                                                          [ ص: 300 ] ولقد كانت الأرض الإسلامية تلتهم قطعة قطعة ، وفي المسلمين أقوياء لا يرون للدين حقا عليهم يوجب أن ينقذوا إخوانهم من المؤمنين ، فقد كان النصارى يعذبون المسلمين حتى أفنوهم فيها ، والأتراك من النظارة الذين ينظرون ولا يتحركون .

                                                          وجاء العصر الأخير ، فرأينا أعداء الله وأعداء الإسلام يجندون من المسلمين من يحاربون المسلمين ، ووجدنا من الذين يتمسحون باسم علماء الدين من يؤيدون محاربة المسلم للمسلم ، ووجدنا في السنين الأخيرة من الحكام من يقتل المقاتل العظيمة في المسلمين من رعيته ، حتى يلجئهم إلى الوثنيين لينقذوهم ، وتذهب جماعات إسلامية ، وقتا بعد آخر ووجدنا بيت المقدس يخربه اليهود ويستولون عليه ، ووجدنا من الملوك من يؤيدونهم . . اللهم لا حول ولا قوة إلا بك وأنه ينطبق علينا قولك الحكيم : فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون

                                                          وإن أولئك الذين يسفكون دماءهم ، ويخرجون أنفسهم من ديارهم باعوا آخرتهم بدنياهم ، وكانت الحياة الآخرة هي الثمن للدنيا التي اشتروها ; ولذلك قال تعالى : أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون الإشارة إلى الذين سفكوا دماءهم وأخرجوا أنفسهم من ديارهم ، ونقضوا مواثيق الله التي جاءتهم بالأحكام التكليفية ، والإشارة إلى الموصوفين بصفات تشير إلى أن هذه الصفات هي سبب الحكم الذي يقترن باسم الإشارة ، أي أن هؤلاء بسبب أوصافهم قد اشتروا الحياة الدنيا بثمن هو أغلى الأثمان ، وهو الآخرة ، ولكننا نجد أنهم خسروا في الدنيا ; لأنهم لحقهم الخزي والعار ، وفسدت نفوسهم ، حتى صارت كالقردة والخنازير ، وإن ذلك حق ، ولكنهم فهموا الدنيا متاعا يستمتعون به كالحيوان فاشتروا هذه الدنيا التي زعموها ، وتركوا الآخرة فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير .

                                                          ومع أنهم طلبوا الحياة ، وتركوا الآخرة لم ينالوا ما طلبوه طيبا ، بل أخذوه ذليلا مهينا ، مصحوبا بالخزي ، ولكنهم يريدون الحياة الدنيا على أية صورة كانت ، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ، وإن جزاءهم في الآخرة التي تركوها وباعوها ، [ ص: 301 ] قال الله تعالى فيهم : فلا يخفف عنهم العذاب الفاء فاء الإفصاح التي تفيد ترتب ما بعدها على ما يفهم مما قبلها ، أي أنه بسبب تلك المبادلة الخاسرة التي خسروا فيها الآخرة لا يخفف الله تعالى عنهم العذاب الشديد الذي يستقبلهم ; لأن أسباب التشديد من التقاطع والتنابذ والحسد والجحود قائمة ، ولا مسوغ للتخفيف قط ، ولا هم ينصرون فلا ترى من نبي ينصرهم ، ولا شفيع يشفع لهم لأنهم عدموا الشفعاء ، وقتلوا النبيين .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية