الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
(خبر عباس بن مرداس السلمي) :

وروينا عن ابن هشام، أن بعض أهل العلم حدثه، أنه كان لمرداس أبي عباس بن مرداس السلمي وثن يعبده، وهو حجر يقال له ضمار، فلما حضر مرداس قال لعباس: أي بني اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك. فبينما عباس يوما عند ضمار إذ سمع من جوف ضمار مناديا يقول:


قل للقبائل من سليم كلها أودى ضمار وعاش أهل المسجد     إن الذي ورث النبوة والهدى
بعد ابن مريم من قريش مهتدي     أودى ضمار وكان يعبد مرة
قبل الكتاب إلى النبي محمد

فحرق العباس ضمار ولحق بالنبي المختار صلى الله عليه وسلم.

وروى أبو جعفر العقيلي، عن رجل من بني لهب - يقال له لهيب أو لهيب بن مالك - قال: حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة، فقلت: بأبي وأمي نحن أول من عرف حراسة السماء، وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مائتا سنة وثمانون سنة، وكان من أعلم كهاننا، فقلنا له: يا خطر هل عندك [ ص: 158 ] علم من هذه النجوم التي يرمى بها؟ فإنا قد فزعنا لها وخفنا سوء عاقبتها، فقال: ائتوني بسحر، أخبركم الخبر، ألخير أم ضرر، أو لأمن أو حذر. قال: فانصرفنا عنه يومنا فلما كان من غد في وجه السحر أتيناه، فإذا هو قائم على قدميه شاخص في السماء بعينيه، فناديناه: يا خطر يا خطر! فأومأ إلينا: أمسكوا. فأمسكنا، فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته:


أصابه إصابه     خامره عقابه
عاجله عذابه     أحرقه شهابه


زايله جوابه


يا ويله ما حاله     بلبله بلباله
عاوده خباله     تقطعت حباله


وغيرت أحواله



ثم أمسك طويلا وهو يقول: يا معشر بني قحطان:

أخبركم بالحق والبيان.     أقسمت بالكعبة والأركان
والبلد المؤتمن السدان     قد منع السمع عتاة الجان
بثاقب بكف ذي سلطان     من أجل مبعوث عظيم الشان
يبعث بالتنزيل والفرقان     وبالهدى وفاضل القرآن


تبطل به عبادة الأوثان.

قال: فقلت: ويحك يا خطر! إنك لتذكر أمرا عظيما فماذا ترى لقومك؟فقال:

أرى لقومي ما أرى لنفسي     أن يتبعوا خير نبي الإنس
برهانه مثل شعاع الشمس     يبعث في مكة دار الحمس


بمحكم التنزيل غير اللبس

[ ص: 159 ] فقلنا له: يا خطر! وممن هو؟ فقال: والحياة والعيش إنه لمن قريش، ما في حكمه طيش، ولا في خلقه هيش، يكون في جيش وأي جيش، من آل قحطان وآل أيش. فقلنا: بين لنا من أي قريش هو؟ فقال: والبيت ذي الدعائم، إنه لمن نجل هاشم، من معشر أكارم، يبعث بالملاحم، وقتل كل ذي ظالم. ثم قال: هذا هو البيان، أخبرني به رئيس الجان. ثم قال: الله أكبر جاء الحق وظهر، وانقطع عن الجن الخبر. ثم سكت وأغمي عليه فما أفاق إلا بعد ثالثة، فقال: لا إله إلا الله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله، لقد نطق عن مثل نبوة، وإنه ليبعث يوم القيامة أمة وحده"
.

قال السهيلي: المعنى وصابه. مثل وشاح وإشاح وتكون الهمزة بدلا من واو مكسورة.

التالي السابق


الخدمات العلمية