الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 154 ] 622 - باب بيان مشكل السبب الذي أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة التي نام هو وأصحابه عنها حتى طلعت الشمس إلى الوقت الذي أخرها إليه ما هو .

قد ذكرنا في الآثار التي رويناها في الباب الذي ذكرنا فيه نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن هذه الصلاة حتى طلعت عليهم الشمس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها حتى استعلت عليه الشمس فقال قوم : إن تأخيره إياها كان ليخرج عنه الوقت الذي لا يحل فيه الصلاة ، ويدخل عليه الوقت الذي تحل فيه الصلاة وهم أبو حنيفة وأصحابه ، وخالفهم في ذلك مخالفون منهم الشافعي فقالوا : إنما كان سبب تأخيره إياها لحضور الشيطان كان إياهم في ذلك الوادي ، وليخرجوا عنه إلى ما سواه من ذلك الموضع الذي فيه ذلك الشيطان ، وذكروا في ذلك .

3988 - ما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبان بن يزيد ، قال : حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من خيبر فقال : من يحفظ علينا صلاتنا ؟ فقال بلال : أنا ، فناموا فما استيقظوا [ ص: 155 ] إلا بالشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحولوا عن هذا المكان الذي أصابتكم فيه الغفلة ، ثم قال : يا بلال ، أنمت ؟ قال : أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم ، ثم أمر بلالا فأذن وأقام وصلى ، ثم قال : من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، ثم قال إن الله عز وجل قال : " أقم الصلاة لذكري .

3989 - وما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا يحيى بن معين ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، قال : حدثنا يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : عرسنا ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان . [ ص: 156 ] فأخذ كل إنسان منا برأس راحلته فلما نزلنا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

3990 - وما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن كيسان ، ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : ثم دعا بماء فتوضأ ، ثم سجد سجدتين ، ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة .

3991 - وما قد حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا أبو مصعب الزهري ، قال : حدثنا ابن أبي حازم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس ذات ليلة بطريق مكة ، فلم يستيقظ هو ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا منزل به شيطان ، فاقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتاد أصحابه حتى ارتفع الضحى ، ثم أناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمهم فصلى الصبح .

[ ص: 157 ] قالوا فإنما كان تأخيره الصلاة لمكان الشيطان الذي كان في ذلك المكان لا لأنه في وقت لا يجوز له أن يقضيها فيه ، ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه فوجدنا حضور الشيطان مما لا يمنع من الصلاة إذ كان قد عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فلم يخرج منها لذلك وكان منه إليه فيها ومن استتمامه إياها حتى فرغ منهما .

3992 - ما قد حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ( ح ) وما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قالا : حدثنا معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني .

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فسمعناه يقول : أعوذ بالله منك ، ثم قال : ألعنك بلعنة الله ، ثلاثا ، ثم بسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قالوا يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ، ورأيناك بسطت يدك قال : إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك فلم يستأخر ، ثم قلتها فلم يستأخر ، ثم قلت ذلك فلم يستأخر ، ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ، ثم قلتها فلم يستأخر ، ثم قلت ذلك فلم يستأخر ، ثم أردت أخذه ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة .

[ ص: 158 ] فاستحال بذلك أن يكون كان تركه صلى الله عليه وسلم للصلاة كان لذلك ، لا سيما وقد ذكر أبو قتادة وعمران بن الحصين في حديثيهما اللذين ذكرناهما في ذلك الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أخر الصلاة إلى أن ارتفعت الشمس ، ثم صلاها فكان في ذلك ما قد دل أن تأخيره إياها كان عندهما إلى ارتفاع الشمس لا لما سوى ذلك ، فقال الآخرون : فإن في هذا الحديث ما دل على أنه قد كان خرج الوقت المنهي عن الصلاة فيه وهو قول رواته ، فما أيقظهم إلا حر الشمس .

ففي ذلك ما قد دل على ارتفاعها قبل أن يستيقظوا من نومهم .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه يجوز أن تكون الشمس طلعت بحرارتها كما هو موجود بالحجاز في حرها إلى الآن ، ولولا أن ذلك كان كذلك لما كان لذكر أبي قتادة وعمران لارتفاعها معنى .

وقد ذكرنا في ذلك الباب مما يوجبه النظر في الصلاة عند طلوع الشمس مما نحن مستغنون به عن إعادته هاهنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية