الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ولله ما في السماوات وما في الأرض أي: من الموجودات كائنا ما كان من الخلائق وأرزاقهم وغير ذلك جملة مستأنفة منبهة على كمال سعته وعظم قدرته. ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم أي: أمرناهم في كتابهم وهم اليهود والنصارى ومن قبلهم من الأمم، واللام في "الكتاب" للجنس و"من" متعلقة بـ"وصينا" أو بـ"أوتوا". وإياكم عطف على الموصول. أن اتقوا الله أي: وصينا كلا منكم ومنهم بأن اتقوا الله على أن "أن" مصدرية حذف عنها الجار، ويجوز أن تكون مفسرة لأن التوصية في معنى القول فقوله تعالى: وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض حينئذ من تتمة القول المحكي أي: ولقد قلنا لهم ولكم اتقوا الله وإن تكفروا إلى آخر الآية، وعلى تقدير كون "أن" مصدرية مبنى الكلام إرادة القول أي: أمرناهم وإياكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا الآية. وقيل: هي جملة مستأنفة خوطب بها هذه الأمة ، وأيا ما كان فالمترتب على كفرهم ليس مضمون قوله تعالى: فإن لله الآية بل هو الأمر بعلمه كأنه قيل: وإن تكفروا فاعلموا أن لله ما في السموات وما في الأرض [ ص: 241 ] من الخلائق قاطبة مفتقرون إليه في الوجود وسائر النعم المتفرعة عليه لا يستغنون عن فيضه طرفة عين فحقه أن يطاع ولا يعصى ويتقى عقابه ويرجى ثوابه، وقد قرر ذلك بقوله تعالى: وكان الله غنيا أي: عن الخلق وعبادتهم. حميدا محمودا في ذاته حمدوه أو لم يحمدوه فلا يتضرر بكفرهم ومعاصيهم كما لا ينتفع بشكرهم وتقواهم وإنما وصاهم بالتقوى لرحمته لا لحاجته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية