الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
غلو الخوارج والمعتزلة والرافضة في تأويل الأحاديث التي وردت في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبيرة :

* قال أبو عبد الله : وقد غلت في تأويل هذه الأخبار التي جاءت في نفي الإيمان عن من ارتكب الكبائر طوائف من أهل الأهواء ، والبدع ، منهم الخوارج ، والمعتزلة ، والرافضة .

فأما الخوارج فتأولتها على إكفار المسلمين بالمعاصي ، وسفك دمائهم .

قالوا : تأويل قوله : " لا يزني الزاني حين يزني ، وهو مؤمن " أنه كافر بالله ، لأن الإيمان ضد الكفر ، فإذا لم يكن مؤمنا ، فهو كافر ، لأنهما فعلان متضادان ، أحدهما ينفي الآخر ، فإذا فعل الإيمان ، قيل : مؤمن لفعله الإيمان ، وإذا فعل الكفر ، قيل : هو كافر ، لفعله الكفر .

قالوا : فسواء قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني ، وهو مؤمن " ، أو قال : " لا يزني إلا وهو كافر " لا يصح في القول غير ذلك .

قالوا : ومن الدليل على ذلك قول الله عز وجل : ( لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) ، فأخبر أنه لا يصلى النار إلا مكذب ، ثم قال : ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) . [ ص: 625 ]

وقال : ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) ، فأوجب في آيات كثيرة النار لمن ارتكب الكبائر نحو القاتل ، والزاني ، وغيرهما ، وجاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بإيجاب النار لشارب الخمر ، وغيره ممن ارتكب الكبائر ، فقال : " من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه ، حرم الله عليه الجنة ، وأوجب له النار " . [ ص: 626 ]

وقال : " لا يدخل الجنة قتات ، ولا قاطع رحم " ، وقال : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " ، ونحو هذه الأخبار .

قالوا : فلما أخبر الله عز وجل أنه لا يصلى النار إلا مكذب ، ثم أخبر أنه يصلاها هؤلاء ، علمنا أنهم كفار مكذبون .

قالوا : ومن لم يقطع بذلك ، ويشهد به ، كذب بأخبار الله ، ورسوله ، أو شك فيهما .

* وأما المعتزلة ، والرافضة فقالوا : كل من ارتكب كبيرة ، فهو خارج من الإيمان ، فليس بكافر ، ولا مؤمن ، ولكنه فاسق ، وقال بعضهم منافق ، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أربع من كن فيه كان منافقا " مع سائر الأخبار التي رويت في ذكر النفاق بالأعمال ، منها ما :

674 - حدثنا إسحاق ، أنا جرير ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 627 ] قال : " أربع خلال من كن فيه ، كان منافقا خالصا ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ، فمن كانت فيه خصلة منهن ، ففيه خصلة من النفاق ، حتى يدعها " .

التالي السابق


الخدمات العلمية