الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      [ بعث عبد الله بن جحش ]

                                                                                      قال عروة : ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم في رجب عبد الله بن جحش الأسدي ، ومعه ثمانية ، وكتب معه كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين . فلما قرأ الكتاب وجده : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف ، فترصد لنا قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 300 ] أمضي إلى نخلة ، ونهاني أن أستكره أحدا منكم . فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ، ومن كره الموت فليرجع ، فأما أنا فماض لأمر رسول الله . فمضى ومضى معه الثمانية ، وهم : أبو حذيفة بن عتبة ، وعكاشة بن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله التميمي ، وسهيل بن بيضاء الفهري ، وخالد بن البكير .

                                                                                      فسلك بهم على الحجاز ، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران ، أضل سعد بن أبي وقاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما ، فتخلفا في طلبه . ومضى عبد الله بمن بقي حتى نزل بنخلة . فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وفيها عمرو بن الحضرمي وجماعة . فلما رآهم القوم هابوهم . فأشرف لهم عكاشة ، وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه آمنوا ، وقالوا : عمار لا بأس عليكم منهم .

                                                                                      وتشاور القوم فيهم ، وذلك في آخر رجب ، فقالوا : والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام . وترددوا ، ثم أجمعوا على قتلهم وأخذ تجارتهم ، فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمي فقتله ، واستأسروا عثمان بن عبد الله ، والحكم بن كيسان . وأفلت نوفل بن عبد الله .

                                                                                      وأقبل ابن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين ، حتى قدموا المدينة . وعزلوا خمس ما غنموا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل القرآن كذلك . وأنكر النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي ، فنزلت : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ( 217 ) ) [ البقرة ] الآية ، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين . فأما [ ص: 301 ] عثمان فمات بمكة كافرا ، وأما الحكم فأسلم واستشهد ببئر معونة .

                                                                                      وصرفت القبلة في رجب ، أو قريبا منه . والله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية