nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160nindex.php?page=treesubj&link=28975_30525_29494_25987_31931فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما .
[ ص: 26 ] إن كان متعلق قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ) محذوفا على أحد الوجهين المتقدمين كان قوله فبظلم مفرعا على مجموع جرائمهم السالفة . فيكون المراد بظلمهم ظلما آخر غير ما عدد من قبل ، وإن كان قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ) متعلقا بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حرمنا عليهم ) فقوله ( فبظلم ) الخ بدل مطابق من جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ميثاقهم ) بإعادة العامل في البدل منه لطول الفصل . وفائدة الإتيان به أن يظهر تعلقه بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حرمنا عليهم طيبات ) إذ بعد ما بينه وبين متعلقه ، وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ميثاقهم ) ليقوى ارتباط الكلام . وأتي في جملة البدل بلفظ جامع للمبدل منه وما عطف عليه : لأن نقض الميثاق ، والكفر ، وقتل الأنبياء ، وقولهم قلوبنا غلف ، وقولهم على
مريم بهتانا ، وقولهم قتلنا
عيسى : كل ذلك ظلم . فكانت الجملة الأخيرة بمنزلة الفذلكة لما تقدم ، كأنه قيل : فبذلك كله حرمنا عليهم ، لكن عدل إلى لفظ الظلم لأنه أحسن تفننا ، وأكثر فائدة من الإتيان باسم الإشارة . وقد مر بيان ذلك قريبا عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ) .
ويجوز أن يكون ظلما آخر أجمله القرآن .
وتنكير ( ظلم ) للتعظيم ، والعدول عن أن يقول فبظلمهم ، حتى تأتي الضمائر متتابعة من قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم ) إلى آخره ، إلى الاسم الظاهر وهو ( الذين هادوا ) لأجل بعد الضمير في الجملة المبدل منها : وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فبما نقضهم ) . ولأن في الموصول وصلته ما يقتضي التنزه عن الظلم لو كانوا كما وصفوا أنفسهم ، فقالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156إنا هدنا إليك ) ; فصدور الظلم عن الذين هادوا محل استغراب .
والآية اقتضت : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32416تحريم ما حرم عليهم إنما كان عقابا لهم ، وأن تلك المحرمات ليس فيها من المفاسد ما يقتضي تحريم تناولها ، وإلا لحرمت عليهم من أول مجيء الشريعة . وقد قيل : إن المراد بهذه الطيبات هو ما ذكر في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146ذلك جزيناهم ببغيهم في سورة الأنعام ، فهذا هو الجزاء على ظلمهم .
[ ص: 27 ] نقل
الفخر في آية سورة الأنعام عن
عبد الجبار أنه قال نفس التحريم لا يجوز أن يكون عقوبة على جرم صدر منهم لأن التكليف تعريض للثواب ، والتعريض للثواب إحسان ، فلم يجز أن يكون التكليف جزاء على الجرم . قال
الفخر : والجواب أن المنع من الانتفاع يمكن أن يكون لقصد استحقاق الثواب ويمكن أن يكون للجرم .
وهذا الجواب مصادرة على أن مما يقوي الإشكال أن العقوبة حقها أن تخص بالمجرمين ثم تنسخ . فالذي يظهر لي في الجواب : إما أن يكون سبب تحريم تلك الطيبات أن ما سرى في طباعهم بسبب بغيهم وظلمهم من القساوة صار ذلك طبعا في أمزجتهم فاقتضى أن يلطف الله طباعهم بتحريم مأكولات من طبعها تغليظ الطباع ، ولذلك لما جاءهم
عيسى أحل الله لهم بعض ما حرم عليهم من ذلك لزوال موجب التحريم ، وإما أن يكون تحريم ما حرم عليهم عقابا للذين ظلموا وبغوا ثم بقي ذلك على من جاء بعدهم ليكون لهم ذكرى ويكون للأولين سوء ذكر من باب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ، وقول النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341594ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها . ذلك لأنه أول من سن القتل . وإما لأن هذا التحريم عقوبة دنيوية راجعة إلى الحرمان من الطيبات فلا نظر إلى ما يعرض لهذا التحريم تارة من الثواب على نية الامتثال للنهي ، لندرة حصول هذه النية في الترك .
وصدهم عن سبيل الله : إن كان مصدر ( صد ) القاصر الذي مضارعه يصد بكسر الصاد فالمعنى بإعراضهم عن سبيل الله ; وإن كان مصدر المتعدي الذي قياس مضارعه بضم الصاد ، فلعلهم كانوا يصدون الناس عن التقوى ، ويقولون : سيغفر لنا ، من زمن
موسى قبل أن يحرم عليهم بعض الطيبات . أما بعد
موسى فقد صدوا الناس كثيرا ، وعاندوا الأنبياء ، وحاولوهم على كتم المواعظ ، وكذبوا
عيسى ، وعارضوا دعوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وسولوا لكثير من الناس ، جهرا أو نفاقا ، البقاء على الجاهلية ، كما تقدم في
[ ص: 28 ] قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت الآيات . ولذلك وصف بـ ( كثيرا ) حالا منه .
nindex.php?page=treesubj&link=28975_5366_29434_31931وأخذهم الربا الذي نهوا عنه : هو أن يأخذوه من قومهم خاصة ويسوغ لهم أخذه من غير الإسرائيليين كما في الإصحاح من سفر التثنية " لا تقرض أخاك بربا ربا فضة أو ربا طعام أو ربا شيء ما مما يقرض بربا . للأجنبي تقرض بربا " .
والربا محرم عليهم بنص التوراة في سفر الخروج في الإصحاح إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا .
nindex.php?page=treesubj&link=28975_29434_31931_27133وأكلهم أموال الناس بالباطل أعم من الربا فيشمل الرشوة المحرمة عندهم ، وأخذهم الفداء على الأسرى من قومهم ، وغير ذلك .
والاستدراك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم الخ ناشئ على ما يوهمه الكلام السابق ابتداء من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يسألك أهل الكتاب من توغلهم في الضلالة حتى لا يرجى لأحد منهم خير وصلاح ، فاستدرك بأن الراسخين في العلم منهم ليسوا كما توهم ، فهم يؤمنون بالقرآن مثل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ومخيريق .
والراسخ حقيقته الثابت القدم في المشي ، لا يتزلزل ; واستعير للتمكن من الوصف مثل العلم بحيث لا تغره الشبه . وقد تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم في سورة آل عمران .
والراسخ في العلم بعيد عن التكلف وعن التعنت ، فليس بينه وبين الحق حاجب ، فهم يعرفون دلائل صدق الأنبياء ولا يسألونهم خوارق العادات .
وعطف ( المؤمنون ) على ( الراسخون ) ثناء عليهم بأنهم لم يسألوا نبيهم أن يريهم الآيات الخوارق للعادة . فلذلك قال ( يؤمنون ) ، أي ( جميعهم ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162بما أنزل إليك ) ، أي القرآن ، وكفاهم به آية ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وما أنزل من قبلك ) على الرسل ، ولا يعادون رسل الله تعصبا وحمية .
[ ص: 29 ] والمراد بالمؤمنين في قوله ( والمؤمنون ) الذين هداهم الله للإيمان من أهل الكتاب ، ولم يكونوا من الراسخين في العلم منهم ، مثل اليهودي الذي كان يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآمن به .
وعطف المقيمين بالنصب ثبت في المصحف الإمام ، وقرأه المسلمون في الأقطار دون تنكير ; فعلمنا أنه طريقة عربية في عطف الأسماء الدالة على صفات محامد ، على أمثالها ، فيجوز في بعض المعطوفات النصب على التخصيص بالمدح ، والرفع على الاستئناف للاهتمام ، كما فعلوا ذلك في النعوت المتتابعة ، سواء كانت بدون عطف أم بعطف ، كقوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن إلى قوله والصابرين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في كتابه " باب ما ينتصب في التعظيم والمدح " : وإن شئت جعلته صفة فجرى على الأول ، وإن شئت قطعته فابتدأته . وذكر من قبيل ما نحن بصدده هذه الآية فقال فلو كان كله رفعا كان جيدا ، ومثله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء ، ونظيره قول
الخرنق :
لا يبعدن قومي الذين همو سم العداة وآفة الجـزر النازلون بكل معـتـرك
والطيبين معـاقـد الأزر
في رواية
يونس عن العرب : برفع النازلون ونصب الطيبين ، لتكون نظير هذه الآية . والظاهر أن هذا مما يجري على قصد التفنن عند تكرر المتتابعات ، ولذلك تكرر وقوعه في القرآن في معطوفات متتابعات كما في سورة البقرة وفي هذه الآية ، وفي قوله و ( الصابون ) في سورة المائدة .
وروي عن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان أن نصب المقيمين خطأ ، من كاتب المصحف وقد عدت من الخطأ هذه الآية . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177ولكن البر من آمن بالله إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والصابرين في البأساء وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إن هذان لساحران . وقوله و ( الصابون ) في سورة المائدة . وقرأتها
عائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ، والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16871ومالك بن دينار ، والجحدري ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وعيسى بن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد : والمقيمون بالرفع . ولا ترد قراءة الجمهور المجمع عليها بقراءة شاذة .
[ ص: 30 ] ومن الناس من زعم أن نصب ( المقيمين ) ونحوه هو مظهر تأويل قول
عثمان لكتاب المصاحف حين أتموها وقرأها أنه قال لهم أحسنتم وأجملتم وأرى لحنا قليلا ستقيمه العرب بألسنتها . وهذه أوهام وأخبار لم تصح عن الذين نسبت إليهم . ومن البعيد جدا أن يخطئ كاتب المصحف في كلمة بين أخواتها فيفردها بالخطأ دون سابقتها أو تابعتها ، وأبعد منه أن يجيء الخطأ في طائفة متماثلة من الكلمات وهي التي إعرابها بالحروف النائبة عن حركات الإعراب من المثنى والجمع على حده . ولا أحسب ما رواه عن
عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11795وأبان بن عثمان في ذلك صحيحا . وقد علمت وجه عربيته في المتعاطفات ، وأما وجه عربية (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إن هذان لساحران ) فيأتي عند الكلام على سورة طه .
والظاهر أن تأويل قول
عثمان هو ما وقع في رسم المصحف من نحو الألفات المحذوفة . قال صاحب الكشاف وهم كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم وخرقا يرفوه من يلحق بهم . وقد تقدم نظير هذا عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177والصابرين في البأساء والضراء في سورة البقرة .
والوعد بالأجر العظيم بالنسبة للراسخين من أهل الكتاب لأنهم آمنوا برسولهم
وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - وقد ورد في الحديث الصحيح : أن لهم أجرين ، وبالنسبة للمؤمنين من العرب لأنهم سبقوا غيرهم بالإيمان . وقرأ الجمهور : ( سنؤتيهم ) بنون العظمة وقرأه
حمزة وخلف بياء الغيبة والضمير عائد إلى اسم الجلالة في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون بالله ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160nindex.php?page=treesubj&link=28975_30525_29494_25987_31931فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمُ أَجْرًا عَظِيمًا .
[ ص: 26 ] إِنْ كَانَ مُتَعَلَّقَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) مَحْذُوفًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَانَ قَوْلُهُ فَبِظُلْمٍ مُفَرَّعًا عَلَى مَجْمُوعِ جَرَائِمِهِمُ السَّالِفَةِ . فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِظُلْمِهِمْ ظُلْمًا آخَرَ غَيْرَ مَا عُدِّدَ مِنْ قَبْلُ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ ) فَقَوْلُهُ ( فَبِظُلْمٍ ) الْخَ بَدَلٌ مُطَابِقٌ مِنْ جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ) بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ فِي الْبَدَلِ مِنْهُ لِطُولِ الْفَصْلِ . وَفَائِدَةُ الْإِتْيَانِ بِهِ أَنْ يَظْهَرَ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ ) إِذْ بَعُدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُتَعَلِّقِهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ) لِيَقْوَى ارْتِبَاطُ الْكَلَامِ . وَأُتِيَ فِي جُمْلَةِ الْبَدَلِ بِلَفْظٍ جَامِعٍ لِلْمُبْدَلِ مِنْهُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ : لِأَنَّ نَقْضَ الْمِيثَاقِ ، وَالْكُفْرَ ، وَقَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقَوْلَهُمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ، وَقَوْلَهُمْ عَلَى
مَرْيَمَ بُهْتَانًا ، وَقَوْلَهُمْ قَتَلْنَا
عِيسَى : كُلُّ ذَلِكَ ظُلْمٌ . فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ بِمَنْزِلَةِ الْفَذْلَكَةِ لِمَا تَقَدَّمَ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : فَبِذَلِكَ كُلِّهِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ ، لَكِنْ عَدَلَ إِلَى لَفْظِ الظُّلْمِ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ تَفَنُّنًا ، وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنَ الْإِتْيَانِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ . وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا آخَرَ أَجْمَلَهُ الْقُرْآنُ .
وَتَنْكِيرُ ( ظُلْمٍ ) لِلتَّعْظِيمِ ، وَالْعُدُولِ عَنْ أَنْ يَقُولَ فَبِظُلْمِهِمْ ، حَتَّى تَأْتِيَ الضَّمَائِرُ مُتَتَابِعَةً مِنْ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ ) إِلَى آخِرِهِ ، إِلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ ( الَّذِينَ هَادُوا ) لِأَجْلِ بُعْدِ الضَّمِيرِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُبْدَلِ مِنْهَا : وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=155فَبِمَا نَقْضِهِمْ ) . وَلِأَنَّ فِي الْمَوْصُولِ وَصْلَتِهِ مَا يَقْتَضِي التَّنَزُّهَ عَنِ الظُّلْمِ لَوْ كَانُوا كَمَا وَصَفُوا أَنْفُسَهُمْ ، فَقَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) ; فَصُدُورُ الظُّلْمِ عَنِ الَّذِينَ هَادُوا مَحَلُّ اسْتِغْرَابٍ .
وَالْآيَةُ اقْتَضَتْ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32416تَحْرِيمَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا كَانَ عِقَابًا لَهُمْ ، وَأَنَّ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ لَيْسَ فِيهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ تَنَاوُلِهَا ، وَإِلَّا لَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَوَّلِ مَجِيءِ الشَّرِيعَةِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الطَّيِّبَاتِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ، فَهَذَا هُوَ الْجَزَاءُ عَلَى ظُلْمِهِمْ .
[ ص: 27 ] نَقَلَ
الْفَخْرُ فِي آيَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ عَنْ
عَبْدِ الْجَبَّارِ أَنَّهُ قَالَ نَفْسُ التَّحْرِيمِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً عَلَى جُرْمٍ صَدَرَ مِنْهُمْ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ تَعْرِيضٌ لِلثَّوَابِ ، وَالتَّعْرِيضَ لِلثَّوَابِ إِحْسَانٌ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ جَزَاءً عَلَى الْجُرْمِ . قَالَ
الْفَخْرُ : وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الِانْتِفَاعِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِقَصْدِ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْجُرْمِ .
وَهَذَا الْجَوَابُ مُصَادَرَةٌ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ حَقُّهَا أَنْ تُخَصَّ بِالْمُجْرِمِينَ ثُمَّ تُنْسَخَ . فَالَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي الْجَوَابِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَحْرِيمِ تِلْكَ الطَّيِّبَاتِ أَنَّ مَا سَرَى فِي طِبَاعِهِمْ بِسَبَبِ بَغْيِهِمْ وَظُلْمِهِمْ مِنَ الْقَسَاوَةِ صَارَ ذَلِكَ طَبْعًا فِي أَمْزِجَتِهِمْ فَاقْتَضَى أَنْ يُلَطِّفَ اللَّهُ طِبَاعَهُمْ بِتَحْرِيمِ مَأْكُولَاتٍ مِنْ طَبْعِهَا تَغْلِيظُ الطِّبَاعِ ، وَلِذَلِكَ لَمَّا جَاءَهُمْ
عِيسَى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ بَعْضَ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ لِزَوَالِ مُوجِبِ التَّحْرِيمِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ عِقَابًا لِلَّذِينِ ظَلَمُوا وَبَغَوْا ثُمَّ بَقِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ جَاءَ بِعْدَهُمْ لِيَكُونَ لَهُمْ ذِكْرَى وَيَكُونَ لِلْأَوَّلِينَ سُوءُ ذِكْرٍ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ، وَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341594مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا . ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ . وَإِمَّا لِأَنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ عُقُوبَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ رَاجِعَةٌ إِلَى الْحِرْمَانِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَلَا نَظَرَ إِلَى مَا يَعْرِضُ لِهَذَا التَّحْرِيمِ تَارَةً مِنَ الثَّوَابِ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ لِلنَّهْيِ ، لِنُدْرَةِ حُصُولِ هَذِهِ النِّيَّةِ فِي التَّرْكِ .
وَصَدُّهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ : إِنْ كَانَ مَصْدَرَ ( صَدَّ ) الْقَاصِرُ الَّذِي مُضَارِعُهُ يَصِدُّ بِكَسْرِ الصَّادِ فَالْمَعْنَى بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ; وَإِنْ كَانَ مَصْدَرَ الْمُتَعَدِّي الَّذِي قِيَاسُ مُضَارِعِهِ بِضَمِّ الصَّادِ ، فَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ التَّقْوَى ، وَيَقُولُونَ : سَيُغْفَرُ لَنَا ، مِنْ زَمَنِ
مُوسَى قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الطَّيِّبَاتِ . أَمَّا بَعْدَ
مُوسَى فَقَدْ صَدُّوا النَّاسَ كَثِيرًا ، وَعَانَدُوا الْأَنْبِيَاءَ ، وَحَاوَلُوهُمْ عَلَى كَتْمِ الْمَوَاعِظِ ، وَكَذَّبُوا
عِيسَى ، وَعَارَضُوا دَعْوَةَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَّلُوا لِكَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، جَهْرًا أَوْ نِفَاقًا ، الْبَقَاءَ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي
[ ص: 28 ] قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=51أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الْآيَاتِ . وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِـ ( كَثِيرًا ) حَالًا مِنْهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=28975_5366_29434_31931وَأَخْذُهُمُ الرِّبَا الَّذِي نُهُوا عَنْهُ : هُوَ أَنْ يَأْخُذُوهُ مَنْ قَوْمِهِمْ خَاصَّةً وَيَسُوغُ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ كَمَا فِي الْإِصْحَاحِ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ " لَا تُقْرِضْ أَخَاكَ بِرِبًا رِبَا فِضَّةٍ أَوْ رِبَا طَعَامٍ أَوْ رِبَا شَيْءٍ مَا مِمَّا يُقْرَضُ بِرِبًا . لِلْأَجْنَبِيِّ تُقْرِضُ بِرِبًا " .
وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ فِي الْإِصْحَاحِ إِنْ أَقْرَضْتَ فِضَّةً لِشَعْبِي الْفَقِيرِ الَّذِي عِنْدَكَ فَلَا تَكُنْ لَهُ كَالْمُرَابِي لَا تَضَعُوا عَلَيْهِ رِبًا .
nindex.php?page=treesubj&link=28975_29434_31931_27133وَأَكْلُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَعَمُّ مِنَ الرِّبَا فَيَشْمَلُ الرَّشْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ عِنْدَهُمْ ، وَأَخْذَهُمُ الْفِدَاءَ عَلَى الْأَسْرَى مِنْ قَوْمِهِمْ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ .
وَالِاسْتِدْرَاكُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْخَ نَاشِئٌ عَلَى مَا يُوهِمُهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ تَوَغُّلِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ حَتَّى لَا يُرْجَى لِأَحَدٍ مِنْهُمْ خَيْرٌ وَصَلَاحٌ ، فَاسْتُدْرِكَ بِأَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ لَيْسُوا كَمَا تُوُهِّمَ ، فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ .
وَالرَّاسِخُ حَقِيقَتُهُ الثَّابِتُ الْقَدَمِ فِي الْمَشْيِ ، لَا يَتَزَلْزَلُ ; وَاسْتُعِيرَ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ مِثْلُ الْعِلْمِ بِحَيْثُ لَا تَغُرُّهُ الشَّبَهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .
وَالرَّاسِخُ فِي الْعِلْمِ بَعِيدٌ عَنِ التَّكَلُّفِ وَعَنِ التَّعَنُّتِ ، فَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ حَاجِبٌ ، فَهُمْ يَعْرِفُونَ دَلَائِلَ صِدْقِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا يَسْأَلُونَهُمْ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ .
وَعَطْفُ ( الْمُؤْمِنُونَ ) عَلَى ( الرَّاسِخُونَ ) ثَنَاءٌ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يُرِيَهُمُ الْآيَاتِ الْخَوَارِقَ لِلْعَادَةِ . فَلِذَلِكَ قَالَ ( يُؤْمِنُونَ ) ، أَيْ ( جَمِيعُهُمْ ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) ، أَيِ الْقُرْآنِ ، وَكَفَاهُمْ بِهِ آيَةً ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ) عَلَى الرُّسُلِ ، وَلَا يُعَادُونَ رُسُلَ اللَّهِ تَعَصُّبًا وَحَمِيَّةً .
[ ص: 29 ] وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ ( وَالْمُؤْمِنُونَ ) الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ، مِثْلَ الْيَهُودِيِّ الَّذِي كَانَ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنَ بِهِ .
وَعَطْفُ الْمُقِيمِينَ بِالنَّصْبِ ثَبَتَ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ ، وَقَرَأَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْأَقْطَارِ دُونَ تَنْكِيرٍ ; فَعَلِمْنَا أَنَّهُ طَرِيقَةٌ عَرَبِيَّةٌ فِي عَطْفِ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتٍ مَحَامِدَ ، عَلَى أَمْثَالِهَا ، فَيَجُوزُ فِي بَعْضِ الْمُعْطُوفَاتِ النَّصْبُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالْمَدْحِ ، وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِلِاهْتِمَامِ ، كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي النُّعُوتِ الْمُتَتَابِعَةِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِدُونِ عَطْفٍ أَمْ بِعَطْفٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ إِلَى قَوْلِهِ وَالصَّابِرِينَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ " بَابُ مَا يَنْتَصِبُ فِي التَّعْظِيمِ وَالْمَدْحِ " : وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ صِفَةً فَجَرَى عَلَى الْأَوَّلِ ، وَإِنْ شِئْتَ قَطَعْتَهُ فَابْتَدَأْتَهُ . وَذَكَرَ مِنْ قَبِيلِ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ فَلَوْ كَانَ كُلُّهُ رَفْعًا كَانَ جَيِّدًا ، وَمِثْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ
الْخِرْنَقِ :
لَا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمُو سُمُّ الْعُدَاةِ وَآفَةُ الْجُـزُرِ النَّازِلُونَ بِكُلِّ مُعْـتَـرَكٍ
وَالطَّيِّبِينَ مَعَـاقِـدَ الْأُزُرِ
فِي رِوَايَةِ
يُونُسَ عَنِ الْعَرَبِ : بِرَفْعِ النَّازِلُونَ وَنَصْبِ الطَّيِّبِينَ ، لِتَكُونَ نَظِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى قَصْدِ التَّفَنُّنِ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْمُتَتَابِعَاتِ ، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ وُقُوعُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي مَعْطُوفَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِي قَوْلِهِ وَ ( الصَّابُونَ ) فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11795وَأَبَانٍ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ نَصْبَ الْمُقِيمِينَ خَطَأٌ ، مِنْ كَاتِبِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ عَدَّتْ مِنَ الْخَطَأِ هَذِهِ الْآيَةَ . وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ . وَقَوْلِهِ وَ ( الصَّابُونَ ) فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ . وَقَرَأَتْهَا
عَائِشَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَالْحَسَنُ ، nindex.php?page=showalam&ids=16871وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ، وَالْجَحْدَرِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=16711وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ : وَالْمُقِيمُونَ بِالرَّفْعِ . وَلَا تُرَدُّ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا بِقِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ .
[ ص: 30 ] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ نَصْبَ ( الْمُقِيمِينَ ) وَنَحْوَهُ هُوَ مَظْهَرُ تَأْوِيلِ قَوْلِ
عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ حِينَ أَتَمُّوهَا وَقَرَأَهَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ وَأَرَى لَحْنًا قَلِيلًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا . وَهَذِهِ أَوْهَامٌ وَأَخْبَارٌ لَمْ تَصِحَّ عَنِ الَّذِينَ نُسِبَتْ إِلَيْهِمْ . وَمِنَ الْبَعِيدِ جِدًّا أَنْ يُخْطِئَ كَاتِبُ الْمُصْحَفِ فِي كَلِمَةٍ بَيْنَ أَخَوَاتِهَا فَيُفْرِدَهَا بِالْخَطَأِ دُونَ سَابِقَتِهَا أَوْ تَابِعَتِهَا ، وَأَبْعَدَ مِنْهُ أَنْ يَجِيءَ الْخَطَأُ فِي طَائِفَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ وَهِيَ الَّتِي إِعْرَابُهَا بِالْحُرُوفِ النَّائِبَةِ عَنْ حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ مِنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ عَلَى حَدِّهِ . وَلَا أَحْسَبُ مَا رَوَاهُ عَنْ
عَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=11795وَأَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ صَحِيحًا . وَقَدْ عَلِمْتُ وَجْهَ عَرَبِيَّتِهِ فِي الْمُتَعَاطِفَاتِ ، وَأَمَّا وَجْهُ عَرَبِيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=63إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ) فَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى سُورَةِ طه .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِ
عُثْمَانَ هُوَ مَا وَقَعَ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ نَحْوِ الْأَلِفَاتِ الْمَحْذُوفَةِ . قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَهُمْ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=177وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْوَعْدُ بِالْأَجْرِ الْعَظِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاسِخِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِرَسُولِهِمْ
وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : أَنَّ لَهُمْ أَجْرَيْنِ ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوا غَيْرَهُمْ بِالْإِيمَانِ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( سَنُؤْتِيهِمْ ) بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ وَخَلَفٌ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .