الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                      78- وقال: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) فإن قيل فأين جواب: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) قلت: "جوابه في القرآن كثير، استغني عنه في هذا الموضع إذ عرف معناه.

                                                                                                                                                                                                                      كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به نحو قول الله عز وجل: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا) فيذكرون تفسيره: "لو سيرت الجبال بقرآن غير هذا لكان هذا القرآن

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 143 ] ستسير به الجبال" فاستغني عن اللفظ بالجواب إذ عرف المعنى. وقال: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) ولم يجئ لـ "تحسبن" الأول بجواب وترك للاستغناء بما في القرآن من الأجوبة. وقال: (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم) معناه "لا تحسبنه خيرا لهم" وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى. ومثله: (وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون) ثم قال: (وما تأتيهم من آية) من قبل أن يجيء بقوله "فعلوا كذا وكذا" لأن ذلك في القرآن كثير، استغني به. وكان في قوله: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) دليل على أنهم أعرضوا فاستغني بهذا وكذلك جميع ما جاز

                                                                                                                                                                                                                      فيه نحو هذا. وقال: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا) فقال: (ليتبروا) على معنى: "خليناهم وإياكم لم نمنعكم منهم بذنوبكم". وقال: (ليسوءوا وجوهكم) ولم يذكر أنه خلاهم وإياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما سلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم. وقال: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) فليس لهذا جواب. وقال: (ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب) فجواب هذا إنما هو في المعنى، وهذا كثير. وسنفسر كلما مررنا به إن شاء الله. وزعموا أن هذا البيت ليس له جواب: [قال الشماخ ]:

                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ]

                                                                                                                                                                                                                      (126) ودوية قفر يمشي نعامها كمشي النصارى في خفاف الأرندج

                                                                                                                                                                                                                      يريد: "ورب دوية" ثم لم يأت له بجواب. وقال: [ عبد مناف بن ربع الهذلي ]:


                                                                                                                                                                                                                      (127) حتى إذا أسلكوه في قتائدة     شلا كما طرد الجمالة الشردا

                                                                                                                                                                                                                      فهذا ليس له جواب إلا في المعنى. وزعم بعضهم أن هذا البيت: [قال تميم بن مقبل ]:


                                                                                                                                                                                                                      (128) فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن     إلا كلمة حالم بخيال

                                                                                                                                                                                                                      قالوا: الواو فيه ليست بزائدة ولكن الخبر مضمر.

                                                                                                                                                                                                                      وقال: (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله)

                                                                                                                                                                                                                      فـ: (ما) وحدها اسم، و: (أن يكفروا) تفسير له نحو: "نعم رجلا زيد" و: (أن ينزل) بدل من: (بما أنزل الله) .

                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية