nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=28975_31982يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .
استئناف ابتدائي بخطاب موجه إلى
النصارى خاصة .
وخوطبوا بعنوان أهل الكتاب تعريضا بأنهم خالفوا كتابهم .
وقرينة أنهم المراد هي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله إلى قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172أن يكون عبدا لله ) فإنه بيان للمراد من إجمال قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق وابتدئت موعظتهم بالنهي عن الغلو
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998لأن النصارى غلوا في تعظيم عيسى فادعوا له بنوة الله ، وجعلوه ثالث الآلهة .
والغلو : تجاوز الحد المألوف ، مشتق من غلوة السهم ، وهي منتهى اندفاعه ،
[ ص: 51 ] واستعير للزيادة على المطلوب من المعقول ، أو المشروع في المعتقدات ، والإدراكات ، والأفعال . والغلو في الدين أن يظهر المتدين ما يفوت الحد الذي حدد له الدين . ونهاهم عن الغلو لأنه أصل لكثير من ضلالهم وتكذيبهم للرسل الصادقين . وغلو أهل الكتاب تجاوزهم الحد الذي طلبه دينهم منهم : فاليهود طولبوا باتباع التوراة ومحبة رسولهم ، فتجاوزوه إلى بغضة الرسل
كعيسى ومحمد عليهما السلام ،
والنصارى طولبوا باتباع
المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى إلهيته أو كونه ابن الله ، مع الكفر
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171ولا تقولوا على الله إلا الحق nindex.php?page=treesubj&link=21164عطف خاص على عام للاهتمام بالنهي عن الافتراء الشنيع . وفعل القول إذا عدي بحرف ( على ) دل على أن نسبة القائل القول إلى المجرور بـ ( على ) نسبة كاذبة ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ويقولون على الله الكذب . ومعنى القول على الله هنا : أن يقولوا شيئا يزعمون أنه من دينهم ، فإن الدين من شأنه أن يتلقى من عند الله .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما المسيح عيسى ابن مريم جملة مبينة للحد الذي كان الغلو عنده ، فإنه مجمل ; ومبينة للمراد من قول الحق .
ولكونها تتنزل من التي قبلها منزلة البيان فصلت عنها . وقد أفادت الجملة قصر
المسيح على صفات ثلاث : صفة الرسالة ، وصفة كونه كلمة الله ألقيت إلى
مريم ، وصفة كونه روحا من عند الله . فالقصر قصر موصوف على صفة . والقصد من هذا القصر إبطال ما أحدثه غلوهم في هذه الصفات غلوا أخرجها عن كنهها ; فإن هذه الصفات ثابتة
لعيسى ، وهم مثبتون لها فلا ينكر عليهم وصف
عيسى بها ، لكنهم تجاوزوا الحد المحدود لها فجعلوا الرسالة البنوة ، وجعلوا الكلمة اتحاد حقيقة الإلهية
بعيسى في بطن
مريم فجعلوا
[ ص: 52 ] عيسى ابنا لله
ومريم صاحبة لله سبحانه ، وجعلوا معنى الروح على ما به تكونت حقيقة
المسيح في بطن
مريم من نفس الإلهية .
والقصر إضافي ، وهو قصر إفراد ، أي
عيسى مقصور على صفة الرسالة والكلمة والروح ، لا يتجاوز ذلك إلى ما يزاد على تلك الصفات من كون
المسيح ابنا لله واتحاد الإلهية به وكون
مريم صاحبة .
ووصف
المسيح بأنه كلمة الله وصف جاء التعبير به في الأناجيل ; ففي صدر إنجيل
يوحنا : في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله ، ثم قال والكلمة صار جسدا وحل بيننا . وقد حكاه القرآن وأثبته فدل على أنه من الكلمات الإنجيلية ، فمعنى ذلك أنه أثر كلمة الله . والكلمة هي التكوين ، وهو المعبر عنه في الاصطلاح بـ ( كن ) . فإطلاق الكلمة على التكوين مجاز ، وليس هو بكلمة ، ولكنه تعلق القدرة . ووصف
عيسى بذلك لأنه لم يكن لتكوينه التأثير الظاهر المعروف في تكوين الأجنة ، فكان حدوثه بتعلق القدرة ، فيكون في كلمته في الآية مجازان : مجاز حذف ، ومجاز استعارة صار حقيقة عرفية .
ومعنى ألقاها إلى
مريم أوصلها إلى
مريم ، وروعي في الضمير تأنيث لفظ الكلمة ، وإلا فإن المراد منها
عيسى ، أو أراد كلمة أمر التكوين . ووصف
عيسى بأنه روح الله وصف وقع في الأناجيل . وقد أقره الله هنا ، فهو مما نزل حقا .
ومعنى
nindex.php?page=treesubj&link=31982كون عيسى روحا من الله أن روحه من الأرواح التي هي عناصر الحياة ، لكنها نسبت إلى الله لأنها وصلت إلى
مريم بدون تكون في نطفة فبهذا امتاز عن بقية الأرواح . ووصف بأنه مبتدأ من جانب الله ، وقيل : لأن
عيسى لما غلبت على نفسه الملكية وصف بأنه روح ، كأن حظوظ الحيوانية مجردة عنه . وقيل : الروح النفخة . والعرب تسمي النفس روحا والنفخ روحا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذو الرمة يذكر لرفيقه أن يوقد نارا بحطب :
[ ص: 53 ] فقلت له ارفعها إليك فأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا
أي بنفخك .
وتلقيب
عيسى بالروح طفحت به عبارات الأناجيل . و ( من ) ابتدائية على التقادير .
فإن قلت : ما حكمة وقوع هذين الوصفين هنا على ما فيهما من شبهة ضلت بها
النصارى ؟ وهلا وصف
المسيح في جملة القصر بمثل ما وصف به
محمد - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي فكان أصرح في بيان العبودية ، وأنفى للضلال ؟
قلت : الحكمة في ذلك أن هذين الوصفين وقعا في كلام الإنجيل ، أو في كلام
الحواريين وصفا
لعيسى عليه السلام ، وكانا مفهومين في لغة المخاطبين يومئذ ، فلما تغيرت أساليب اللغات ، وساء الفهم في إدراك الحقيقة والمجاز تسرب الضلال إلى
النصارى في سوء وضعهما فأريد التنبيه على ذلك الخطأ في التأويل ، أي أن قصارى ما وقع لديكم من كلام الأناجيل هو وصف
المسيح بكلمة الله وبروح الله ، وليس في شيء من ذلك ما يؤدي إلى اعتقاد أنه ابن الله وأنه إله .
وتصدير جملة القصر بأنه رسول الله ينادي على وصف العبودية إذ لا يرسل الإله إلها مثله ، ففيه كفاية من التنبيه على معنى الكلمة والروح .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171nindex.php?page=treesubj&link=28975_31982يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ .
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ بِخِطَابٍ مُوَجَّهٍ إِلَى
النَّصَارَى خَاصَّةً .
وَخُوطِبُوا بِعُنْوَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ تَعْرِيضًا بِأَنَّهُمْ خَالَفُوا كِتَابَهُمْ .
وَقَرِينَةُ أَنَّهُمُ الْمُرَادُ هِيَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ) فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ إِجْمَالِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَابْتُدِئَتْ مَوْعِظَتُهُمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْغُلُوِّ
nindex.php?page=treesubj&link=31994_31998لِأَنَّ النَّصَارَى غَلَوْا فِي تَعْظِيمِ عِيسَى فَادَّعَوْا لَهُ بُنُوَّةَ اللَّهِ ، وَجَعَلُوهُ ثَالِثَ الْآلِهَةِ .
وَالْغُلُوُّ : تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمَأْلُوفِ ، مُشْتَقٌّ مِنْ غَلْوَةِ السَّهْمِ ، وَهِيَ مُنْتَهَى انْدِفَاعِهِ ،
[ ص: 51 ] وَاسْتُعِيرَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنَ الْمَعْقُولِ ، أَوِ الْمَشْرُوعِ فِي الْمُعْتَقَدَاتِ ، وَالْإِدْرَاكَاتِ ، وَالْأَفْعَالِ . وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَدَيِّنُ مَا يَفُوتُ الْحَدَّ الَّذِي حَدَّدَ لَهُ الدِّينُ . وَنَهَاهُمْ عَنِ الْغُلُوِّ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِكَثِيرٍ مِنْ ضَلَالِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ لِلرُّسُلِ الصَّادِقِينَ . وَغُلُوُّ أَهْلِ الْكِتَابِ تَجَاوُزُهُمُ الْحَدَّ الَّذِي طَلَبَهُ دِينُهُمْ مِنْهُمْ : فَالْيَهُودُ طُولِبُوا بِاتِّبَاعِ التَّوْرَاةِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِمْ ، فَتَجَاوَزُوهُ إِلَى بِغْضَةِ الرُّسُلِ
كَعِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ،
وَالنَّصَارَى طُولِبُوا بِاتِّبَاعِ
الْمَسِيحِ فَتَجَاوَزُوا فِيهِ الْحَدَّ إِلَى دَعْوَى إِلَهِيَّتِهِ أَوْ كَوْنِهِ ابْنَ اللَّهِ ، مَعَ الْكُفْرِ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ nindex.php?page=treesubj&link=21164عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ لِلِاهْتِمَامِ بِالنَّهْيِ عَنِ الِافْتِرَاءِ الشَّنِيعِ . وَفِعْلُ الْقَوْلِ إِذَا عُدِّيَ بِحَرْفِ ( عَلَى ) دَلَّ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ الْقَائِلِ الْقَوْلِ إِلَى الْمَجْرُورِ بِـ ( عَلَى ) نِسْبَةٌ كَاذِبَةٌ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ . وَمَعْنَى الْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ هُنَا : أَنْ يَقُولُوا شَيْئًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْ دِينِهِمْ ، فَإِنَّ الدِّينَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُتَلَقَّى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْحَدِّ الَّذِي كَانَ الْغُلُوُّ عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ ; وَمُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ .
وَلِكَوْنِهَا تَتَنَزَّلُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ فُصِلَتْ عَنْهَا . وَقَدْ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ قَصْرَ
الْمَسِيحِ عَلَى صِفَاتٍ ثَلَاثٍ : صِفَةُ الرِّسَالَةِ ، وَصِفَةُ كَوْنِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ أُلْقِيَتْ إِلَى
مَرْيَمَ ، وَصِفَةُ كَوْنِهِ رُوحًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ . فَالْقَصْرُ قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صِفَةٍ . وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ إِبْطَالُ مَا أَحْدَثَهُ غُلُوُّهُمْ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ غُلُوًّا أَخْرَجَهَا عَنْ كُنْهِهَا ; فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ ثَابِتَةٌ
لِعِيسَى ، وَهُمْ مُثْبِتُونَ لَهَا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ وَصْفُ
عِيسَى بِهَا ، لَكِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا الْحَدَّ الْمَحْدُودَ لَهَا فَجَعَلُوا الرِّسَالَةَ الْبُنُوَّةَ ، وَجَعَلُوا الْكَلِمَةَ اتِّحَادَ حَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ
بِعِيسَى فِي بَطْنِ
مَرْيَمَ فَجَعَلُوا
[ ص: 52 ] عِيسَى ابْنًا لِلَّهِ
وَمَرْيَمَ صَاحِبَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَجَعَلُوا مَعْنَى الرُّوحِ عَلَى مَا بِهِ تَكَوَّنَتْ حَقِيقَةُ
الْمَسِيحِ فِي بَطْنِ
مَرْيَمَ مِنْ نَفْسِ الْإِلَهِيَّةِ .
وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ ، وَهُوَ قَصْرُ إِفْرَادٍ ، أَيْ
عِيسَى مَقْصُورٌ عَلَى صِفَةِ الرِّسَالَةِ وَالْكَلِمَةِ وَالرُّوحِ ، لَا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إِلَى مَا يُزَادُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ مِنْ كَوْنِ
الْمَسِيحِ ابْنًا لِلَّهِ وَاتِّحَادِ الْإِلَهِيَّةِ بِهِ وَكَوْنِ
مَرْيَمَ صَاحِبَةً .
وَوَصْفُ
الْمَسِيحِ بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ وَصْفٌ جَاءَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْأَنَاجِيلِ ; فَفِي صَدْرِ إِنْجِيلِ
يُوحَنَّا : فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ ، ثُمَّ قَالَ وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا . وَقَدْ حَكَاهُ الْقُرْآنُ وَأَثْبَتَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الْإِنْجِيلِيَّةِ ، فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَثَرُ كَلِمَةِ اللَّهِ . وَالْكَلِمَةُ هِيَ التَّكْوِينُ ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي الِاصْطِلَاحِ بِـ ( كُنْ ) . فَإِطْلَاقُ الْكَلِمَةِ عَلَى التَّكْوِينِ مَجَازٌ ، وَلَيْسَ هُوَ بِكَلِمَةٍ ، وَلَكِنَّهُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ . وَوَصْفُ
عِيسَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِتَكْوِينِهِ التَّأْثِيرُ الظَّاهِرُ الْمَعْرُوفُ فِي تَكْوِينِ الْأَجِنَّةِ ، فَكَانَ حُدُوثُهُ بِتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ ، فَيَكُونُ فِي كَلِمَتِهِ فِي الْآيَةِ مَجَازَانِ : مَجَازُ حَذْفٍ ، وَمَجَازُ اسْتِعَارَةٍ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً .
وَمَعْنَى أَلْقَاهَا إِلَى
مَرْيَمَ أَوْصَلَهَا إِلَى
مَرْيَمَ ، وَرُوعِيَ فِي الضَّمِيرِ تَأْنِيثُ لَفْظِ الْكَلِمَةِ ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا
عِيسَى ، أَوْ أَرَادَ كَلِمَةَ أَمْرِ التَّكْوِينِ . وَوَصْفُ
عِيسَى بِأَنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَصْفٌ وَقَعَ فِي الْأَنَاجِيلِ . وَقَدْ أَقَرَّهُ اللَّهُ هُنَا ، فَهُوَ مِمَّا نَزَلَ حَقًّا .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=31982كَوْنِ عِيسَى رُوحًا مِنَ اللَّهِ أَنَّ رُوحَهُ مِنَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي هِيَ عَنَاصِرُ الْحَيَاةِ ، لَكِنَّهَا نُسِبَتْ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا وَصَلَتْ إِلَى
مَرْيَمَ بِدُونِ تَكَوُّنٍ فِي نُطْفَةٍ فَبِهَذَا امْتَازَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَرْوَاحِ . وَوُصِفَ بِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ
عِيسَى لَمَّا غَلَبَتْ عَلَى نَفْسِهِ الْمَلَكِيَّةُ وُصِفَ بِأَنَّهُ رُوحٌ ، كَأَنَّ حُظُوظَ الْحَيَوَانِيَّةِ مُجَرَّدَةٌ عَنْهُ . وَقِيلَ : الرُّوحُ النَّفْخَةُ . وَالْعَرَبُ تُسَمِّي النَّفْسَ رُوحًا وَالنَّفْخَ رُوحًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذُو الرُّمَّةِ يَذْكُرُ لِرَفِيقِهِ أَنْ يُوقِدَ نَارًا بِحَطَبٍ :
[ ص: 53 ] فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إِلَيْكَ فَأَحْيِهَا بِرُوحِكَ وَاقْتُتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرًا
أَيْ بِنَفْخِكَ .
وَتَلْقِيبُ
عِيسَى بِالرُّوحِ طَفَحَتْ بِهِ عِبَارَاتُ الْأَنَاجِيلِ . وَ ( مِنْ ) ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى التَّقَادِيرِ .
فَإِنْ قُلْتَ : مَا حِكْمَةُ وُقُوعِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ هُنَا عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ شُبْهَةٍ ضَلَّتْ بِهَا
النَّصَارَى ؟ وَهَلَّا وُصِفَ
الْمَسِيحُ فِي جُمْلَةِ الْقَصْرِ بِمِثْلِ مَا وُصِفَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ فَكَانَ أَصْرَحُ فِي بَيَانِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَأَنْفَى لِلضَّلَالِ ؟
قُلْتُ : الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَقَعَا فِي كَلَامِ الْإِنْجِيلِ ، أَوْ فِي كَلَامِ
الْحَوَارِيِّينَ وَصْفًا
لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَكَانَا مَفْهُومَيْنِ فِي لُغَةِ الْمُخَاطَبِينَ يَوْمَئِذٍ ، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ أَسَالِيبُ اللُّغَاتِ ، وَسَاءَ الْفَهْمُ فِي إِدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ تَسَرَّبَ الضَّلَالُ إِلَى
النَّصَارَى فِي سُوءِ وَضْعِهِمَا فَأُرِيدَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَطَأِ فِي التَّأْوِيلِ ، أَيْ أَنَّ قُصَارَى مَا وَقَعَ لَدَيْكُمْ مِنْ كَلَامِ الْأَنَاجِيلِ هُوَ وَصْفُ
الْمَسِيحِ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَبِرَوْحِ اللَّهِ ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إِلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَأَنَّهُ إِلَهٌ .
وَتَصْدِيرُ جُمْلَةِ الْقَصْرِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ يُنَادِي عَلَى وَصْفِ الْعُبُودِيَّةِ إِذْ لَا يُرْسِلُ الْإِلَهُ إِلَهًا مِثْلَهُ ، فَفِيهِ كِفَايَةٌ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَالرُّوحِ .