الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7235 ) مسألة : قال : ( ومن قذف من كان مشركا ، وقال : أردت أنه زنى وهو مشرك . لم يلتفت إلى قوله ، وحد القاذف ، إذا طلب المقذوف . وكذلك من كان عبدا ) . إنما كان كذلك ; لأنه قذفه في حال كونه مسلما محصنا ، وذلك يقتضي وجوب الحد عليه ; لعموم الآية ووجود المعنى ، فإذا ادعى ما يسقط الحد عنه ، لم يقبل منه ، كما لو قذف كبيرا ، ثم قال : أردت أنه زنى وهو صغير ، فأما إن قال له : زنيت في شركك . فلا حد عليه . وبه قال الزهري ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                            وحكى أبو الخطاب ، عن أحمد رواية أخرى . وعن مالك ، أنه يحد . وبه قال الثوري ; لأن القذف وجد في حال كونه محصنا . ولنا أنه أضاف القذف إلى حال ناقصة ، أشبه ما لو قذفه في حال الشرك ; ولأنه قذفه بما لا يوجب الحد على المقذوف ، فأشبه ما لو قذفه بالوطء دون الفرج . وهكذا الحكم لو قذف من كان رقيقا ، فقال : زنيت في حال رقك . أو قال زنيت وأنت طفل . وإن قال : زنيت وأنت صبي أو صغير . سئل عن الصغر ، فإن فسره بصغر لا يجامع في مثله ، فهي كالتي قبلها ، وإن فسره بصغر يجامع في مثله ، فعليه الحد ، في إحدى الروايتين . وإن قال : زنيت إذ كنت مشركا . أو : إذ كنت رقيقا . فقال المقذوف : ما كنت مشركا ولا رقيقا . نظرنا ، فإن ثبت أنه كان مشركا أو رقيقا ، فهي كالتي قبلها ، وإن ثبت أنه لم يكن رقيقا كذلك ، وجب الحد على القاذف ، وإن لم يثبت واحد منهما ، ففيه روايتان ; إحداهما : يجب الحد ; لأن الأصل عدم الشرك والرق ; ولأن الأصل الحرية ، وإسلام أهل دار الإسلام .

                                                                                                                                            والثانية : القول قول القاذف ; لأن الأصل براءة ذمة القاذف .

                                                                                                                                            وإن قال : زنيت وأنت مشرك . فقال المقذوف أردت قذفي بالزنا والشرك معا . وقال القاذف : بل أردت قذفك بالزنا إذ كنت مشركا . فالقول قول القاذف . اختاره أبو الخطاب . وهو قول بعض الشافعية ; لأن الخلاف في بينته ، وهو أعلم بها . وقوله : وأنت مشرك ، مبتدأ وخبر ، وهو حال لقوله : زنيت . كقول الله تعالى : { إلا استمعوه وهم يلعبون } .

                                                                                                                                            وقال القاضي : يجب الحد ، وهو قول بعض الشافعية [ ص: 86 ] لأن قوله : زنيت . خطاب في الحال ، فالظاهر أنه أراد زناه في الحال . وهكذا إن قال : زنيت وأنت عبد . وإن قذف مجهولا ، وادعى أنه رقيق أو مشرك . فقال المقذوف : بل أنا حر مسلم . فالقول قوله . وقال أبو بكر : القول قول القاذف في الرق ; لأن الأصل براءة ذمته من الحد ، وهو يدرأ بالشبهات ، وما ادعاه محتمل ، فيكون شبهة . وعن الشافعي ، كالوجهين . ولنا أن الأصل الحرية ، وهو الظاهر ، فلم يلتفت إلى ما خالفه ، كما لو فسر صريح القذف بما يحيله ، وكما لو ادعى أنه مشرك . فإن قيل : الإسلام يثبت بقوله : أنا مسلم . بخلاف الحرية . قلنا : إنما يثبت الإسلام بقوله في المستقبل ، وأما الماضي ، فلا يثبت بما جاء بعده ، فلا يثبت كونه مسلما حال القذف بقوله في حال النزاع ، فاستويا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية