الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : لا يؤاخذكم الله باللغو ؛ " اللغو " ؛ في كلام العرب : ما اطرح ولم يعقد عليه أمر؛ ويسمى ما ليس معتدا به - وإن كان موجودا - " لغوا " ؛ قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        أو مائة تجعل أولادها ... لغوا وعرض المائة الجلمد



                                                                                                                                                                                                                                        الذي يعارضها في قوة الجلمد؛ يعني بذلك نوقا؛ يقول : " مائة لا تجعل أولادها من عددها " ؛ أعلم الله - عز وجل - أن اليمين التي يؤاخذ بها العبد؛ وتجب في بعضها [ ص: 202 ] الكفارة؛ ما جرى على عقد؛ ومعنى فكفارته إطعام عشرة مساكين ؛ أي : فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين؛ إن كانوا ذكورا؛ أو إناثا وذكورا؛ أجزأه ذلك؛ ولكن وقع لفظ التذكير لأنه المغلب في الكلام؛ ومعنى من أوسط ما تطعمون أهليكم ؛ قال بعضهم : أعدله؛ كما قال - جل وعز - : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ؛ أي : عدلا؛ و " أوسط ما تطعمون أهليكم " ؛ على ضربين؛ أحدهما : أوسطه في القدر؛ والقيمة؛ والآخر : أوسطه في الشبع؛ لا يكون المأكول يفرط في أكله؛ فيؤكل منه فوق القصد؛ وقدر الحاجة؛ ولا يكون دون المغني عن الجوع؛ أو كسوتهم ؛ والكسوة أن يكسوهم نحو الإزار والعمامة؛ أو ما أشبه ذلك؛ أو تحرير رقبة ؛ فخير الحالف أحد هذه الثلاثة؛ وأفضلها عند الله أكثرها نفعا؛ وأحسنها موقعا من المساكين؛ أو من المعتق؛ فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول إلا بما هو أشد تكلفا من الكسوة؛ أو الإعتاق؛ فالإطعام أفضل؛ لأن به قوام الحياة؛ وإلا فالإعتاق؛ أو الكسوة أفضل؛ فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ أي : من كان لا يقدر على شيء مما حدد في الكفارة؛ فعليه صيام ثلاثة أيام؛ و " صيام ثلاثة " ؛ مرتفع بالابتداء؛ وخبره " كفارته " ؛ أو " فكفارته صيام ثلاثة أيام " ؛ ويجوز " فصيام ثلاثة أيام " ؛ كما قال - عز وجل - : أو إطعام في يوم ذي مسغبة ؛ [ ص: 203 ] " أو عدل ذلك صياما " ؛ ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ؛ أي : ذلك الذي يغطي على آثامكم؛ يقال : " كفرت الشيء " ؛ إذا غطيته؛ ومنه قوله - عز وجل - : أعجب الكفار نباته ؛ و " الكفار " : الذين يغطون الزرع ويصلحونه؛ و " الكافر " ؛ إنما سمي " كافرا " ؛ لأنه ستر بكفره الإيمان.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية