الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ أقل ما يدل عليه لفظ الطائفة ]

                                                      واستثنى بعض الحنفية من هذا القسم لفظ الطائفة ، قال : لأنه لا يدل إلا على قطعة من شيء ، واختلف في أقل ما يطلق عليه ذلك ، هل هو ثلاثة أو أقل ؟ فمن حيث كان مدلولها القطعة من الناس لم تكن عامة ; لأن مدلول العموم شمول لغير متناه ولا محصور ، قلت : ونص الشافعي في " المختصر " على أن أقل الطائفة ثلاثة ، فقال في باب صلاة الخوف : والطائفة ثلاثة فأكثر ، وأكره أن يصلي بأقل من طائفة انتهى هذا نصه ، واتفق عليه الأصحاب .

                                                      وذكروا عن أبي بكر بن داود أنه قال : قول الشافعي : أقل الطائفة ثلاثة خطأ لأن الطائفة في اللغة والشرع تطلق على واحد ، أما في اللغة : [ ص: 130 ] فحكى ثعلب عن الفراء أنه قال : مسموع من العرب ، أن الطائفة الواحد ، وأما في الشرع فلأن الشافعي ( رضي الله عنه ) احتج في قبول خبر الواحد بقوله تعالى : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } فحمل الطائفة على الواحد ، وقال تعالى : { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } والمراد واحد . وأجيب بأجوبة أشهرها : تسليم أن الطائفة يجوز إطلاقها على الواحد فما فوقه ، وحكاه الجوهري عن ابن عباس ، وقاله ابن قتيبة وابن فارس في " فقه العربية " وإنما أراد الشافعي أن الطائفة في صلاة الخوف يستحب أن لا تكون أقل من ثلاثة : { وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم } وقال في الطائفة الأخرى . { ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } فذكرهم بلفظ الجمع في كل المواضع ، وأقل الجمع ثلاثة .

                                                      وثانيهما : أنها لا تطلق إلا على ثلاثة كما هو ظاهر النص ، وبه صرح غير واحد من أهل اللغة ، منهم الزمخشري ، فقال : وأقلها ثلاثة أو [ ص: 131 ] أربعة ، وإنما حمل الشافعي الطائفة على الواحد في قوله { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } بالقرينة ، وهي حصول الإنذار بالواحد كما حمله في الأولى على الثلاثة بقرينة وهي ضمير الجمع . وقال القفال الشاشي في كتابه في الأصول في الكلام على أقل الجمع : جاء أن الشافعي يذهب إلى أن أقل الجمع ثلاثة ، وقال : وذهب بعضهم إلى أنها تقع على الواحد كالقطعة ، فيقال : هذه طائفة من هذا ، أي قطعة منه قال : وذهب أصحابنا إلى أن الطائفة إنما تطلق على القطعة من الشيء الواحد ، فلا يكون حينئذ فيه دليل على الجمع ، كقوله : هذه طائفة من الثوب ونحوه ، فأما إذا أطلق اسمها على جنس كالناس والحيوان والفيل ، فالمقصود بها الجماعة ، كما يقال : " كان طائفة من الناس " أي جماعة ، والجماعة أقلها ثلاثة . هذا كلامه .

                                                      وقد اختلف في دلالة بعض أفراد هذا النوع كالقوم ، فإن بعضهم قال : يعم الذكور والإناث ، والصحيح اختصاصه بالذكور بدليل قوله : { لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء } وكذلك الرهط . قال الجوهري وغيره : إنه اسم لما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة . قال ابن سيده : الرهط جمع من ثلاثة إلى عشرة ، وكذلك النفر ، وعلى هذا ففي عد هذه الأسماء من صيغ العموم نظر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية