الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب التكبير في أيام التشريق .

اتفق المشايخ من الصحابة عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم أنه يبدأ بالتكبير من صلاة الغداة من يوم عرفة وبه أخذ علماؤنا رضي الله عنهم في ظاهر الرواية لقوله تعالى { واذكروا [ ص: 43 ] الله في أيام معدودات } وهي أيام العشر عند المفسرين فيقتضي أن يكون التكبير فيها مشروعا إلا ما قام عليه الدليل وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : أفضل ما قلت وقالت الأنبياء قبلي يوم عرفة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد } ولأن هذه التكبيرات لإظهار فضيلة وقت الحج ومعظم أركان الحج الوقوف فينبغي أن يكون التكبير مشروعا في وقته ولهذا قال مكحول : البداءة من صلاة الظهر يوم عرفة لأن وقت الوقوف بعد الزوال ثم قال ابن مسعود رضي الله عنه : إلى صلاة العصر من يوم النحر يكبر في العصر ثم يقطع وبه أخذ أبو حنيفة رضي الله عنه لأن البداءة لما كانت في يوم يؤدي فيه ركن الحج فالقطع مثله يكون في يوم النحر الذي يؤدى فيه ركن الحج من الطواف ولأن رفع الأصوات بالتكبير في أدبار الصلوات خلاف المعهود فلا يثبت إلا باليقين واليقين فيما اتفق عليه كبار الصحابة وقال علي رضي الله تعالى عنه : إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق يكبر في العصر ثم يقطع وهو إحدى الروايتين عن عمر رضي الله عنه وفي الأخرى إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق وأخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بقول علي رضي الله عنه لقوله تعالى { واذكروا الله في أيام معدودات } وهي إما أيام التشريق أو أيام النحر فينبغي أن يكون التكبير فيها مشروعا ولأنا أمرنا بإكثار الذكر ولأن يكبر ما ليس عليه أولى من أن يترك ما عليه واتفق الشبان من الصحابة زيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم على أنه يبدأ بها من صلاة الظهر يوم النحر وإليه رجع أبو يوسف لقوله تعالى { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم } والفاء للتعقيب وقضاء المناسك وقت الضحى من يوم النحر فينبغي أن يكون التكبير عقيبه والناس في هذه التكبيرات تبع للحاج ثم الحاج يقطعون التلبية عند رمي جمرة العقبة ويأخذون في التكبيرات وذلك وقت الضحوة فعلى الناس أن يكبروا عقيب أول صلاة مؤداة بعد هذا الوقت وهي صلاة الظهر ثم قال ابن عمر رضي الله عنهما : إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إلى صلاة الظهر وقال زيد : إلى صلاة العصر وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه .

والتكبير أن يقول بعد التسليم : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهو قول علي وابن مسعود رحمهما الله تعالى . وكان ابن عمر يقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وبه أخذ الشافعي رضي الله عنه وكان ابن عباس رضي الله عنه [ ص: 44 ] يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله الحي القيوم يحي ويميت وهو على كل شيء قدير وإنما أخذنا بقول علي وابن مسعود رضي الله عنهما لأنه عمل الناس في الأمصار ولأنه يشتمل على التكبير والتهليل والتحميد فهو أجمع وهذا التكبير على الرجال المقيمين من أهل الأمصار في الصلوات المكتوبات في الجماعة عند أبي حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى كل من يصلي مكتوبة في هذه الأيام فعليه التكبير مسافرا كان أو مقيما في المصر أو القرية رجلا أو امرأة في الجماعة أو وحده وهو قول إبراهيم رحمه الله تعالى لأن هذه التكبيرات في حق غير الحاج بمنزلة التلبية في حق الحاج وفي التلبية لا تراعى هذه الشروط فكذلك في التكبيرات . وأبو حنيفة رضي الله عنه احتج بما روينا { لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع } قال الخليل والنضر بن شميل رحمهما الله تعالى : التشريق في اللغة التكبير ولا يجوز أن يحمل على صلاة العيد فقد قال في حديث علي رضي الله عنه : لا جمعة ولا تشريق ولا فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع فقد ثبت في الحديث أنه بمنزلة الجمعة في اشتراط المصر فيه فكذلك في اشتراط الذكورة والإقامة والجماعة ولهذا لم يشترط أبو حنيفة رضي الله عنه فيه الحرية كما لا تشترط في صلاة الجمعة

التالي السابق


الخدمات العلمية