الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ فيا ]

                                                          فيا : في : كلمة معناها التعجب ، يقولون : يا في ما لي أفعل كذا ! وقيل : معناه الأسف على الشيء يفوت . قال اللحياني : قال الكسائي لا يهمز ، وقال : معناه يا عجبي ، قال : وكذلك يا في ما أصحابك ، قال : وما من كل في موضع رفع . التهذيب : في حرف من حروف الصفات ، وقيل : في تأتي بمعنى وسط ، وتأتي بمعنى داخل ، كقولك : عبد الله في الدار أي داخل الدار ووسط الدار ، وتجيء في بمعنى على ، وفي التنزيل العزيز : ولأصلبنكم في جذوع النخل المعنى على جذوع النخل . وقال ابن الأعرابي في قوله : وجعل القمر فيهن نورا أي معهن . وقال ابن السكيت : جاءت في بمعنى مع ; قال الجعدي :


                                                          ولوح ذراعين في بركة إلى جؤجؤ رهل المنكب



                                                          وقال أبو النجم :


                                                              يدفع عنها الجوع كل مدفع
                                                          خمسون بسطا في خلايا أربع



                                                          أراد : مع خلايا . وقال الفراء في قوله تعالى : يذرؤكم فيه أي يكثركم به ; وأنشد :


                                                          وأرغب فيها عن عبيد ورهطه     ولكن بها عن سنبس لست أرغب



                                                          أي أرغب بها ، وقيل في قوله تعالى : أن بورك من في النار أي بورك من على النار ، وهو الله عز وجل . وقال الجوهري : في حرف خافض ، وهو للوعاء والظرف وما قدر تقدير الوعاء ، تقول : الماء في الإناء ، وزيد في الدار ، والشك في الخبر ، وزعم يونس أن العرب تقول نزلت في أبيك ، يريدون عليه ، قال وربما تستعمل بمعنى الباء ، وقال زيد الخيل :


                                                          ويركب يوم الروع منا فوارس     بصيرون في طعن الأباهر والكلى



                                                          أي بطعن الأباهر والكلى . ابن سيده : في حرف جر ، قال سيبويه : أما في فهي للوعاء ، تقول : هو في الجراب وفي الكيس ، وهو في بطن أمه ، وكذلك هو في الغل جعله إذا أدخله فيه كالوعاء ، وكذلك هو في القبة ، وفي الدار ، وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا ، وإنما تكون كالمثل يجاء بها لما يقارب الشيء وليس مثله ; وقال عنترة :


                                                          بطل كأن ثيابه في سرحة     يحذى نعال السبت ليس بتوأم



                                                          أي على سرحة ، قال : وجاز ذلك من حيث كان معلوما أن ثيابه لا تكون من داخل سرحة ، لأن السرحة لا تشق فتستودع الثياب ولا غيرها ، وهي بحالها سرحة ، وليس كذلك قولك فلان في الجبل لأنه قد يكون في غار من أغواره ولصب من لصابه ، فلا يلزم على هذا أن يكون عليه أي عاليا فيه أي الجبل ، وقال :


                                                          وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه     على كل حال من غمار ومن وحل



                                                          قال : أراد بنا ، وقد يكون على حذف المضاف أي في سيرنا ، ومعناه في سيرهن بنا ; ومثل قوله :


                                                          كأن ثيابه في سرحة



                                                          وقول امرأة من العرب :


                                                          همو صلبوا العبدي في جذع نخلة     فلا عطست شيبان إلا بأجدعا



                                                          أي على جذع نخلة ، وأما قوله :


                                                          وهل يعمن من كان أقرب عهده      [ ص: 255 ] ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال



                                                          فقالوا : أراد مع ثلاثة أحوال ، قال ابن جني : وطريقه عندي أنه على حذف المضاف ، يريدون ثلاثين شهرا في عقب ثلاثة أحوال قبلها ، وتفسيره بعد ثلاثة أحوال ; فأما قوله :


                                                          يعثرن في حد الظبات كأنما     كسيت برود بني تزيد الأذرع



                                                          فإنما أراد يعثرن بالأرض في حد الظبات أي وهن في حد الظبات ، كقوله : خرج بثيابه أي وثيابه عليه وصلى في خفيه أي وخفاه عليه . وقوله تعالى : فخرج على قومه في زينته ; فالظرف إذا متعلق بمحذوف ، لأنه حال من الضمير أي يعثرن كائنات في حد الظبات ; وقول بعض الأعراب :


                                                          نلوذ في أم لنا ما تعتصب     من العمام ترتدي وتنتقب



                                                          فإنه يريد بالأم لنا سلمى أحد جبلي طيء ، وسماها أما لاعتصامهم بها وأويهم إليها ، واستعمل في موضع الباء أي نلوذ بها لأنهم لاذوا فهم فيها لا محالة ، ألا ترى أنهم لا يلوذون ويعتصمون بها إلا وهم فيها ؟ لأنهم إن كانوا بعداء عنها فليسوا لائذين فيها ، فكأنه قال نسمئل فيها أي نتوقل ، ولذلك استعمل في مكان الباء . وقوله عز وجل : وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات قال الزجاج : في من صلة قوله : وألق عصاك ، وأدخل يدك في جيبك وقيل : تأويله وأظهر هاتين الآيتين في تسع آيات أي من تسع آيات ، ومثله قولك : خذ لي عشرا من الإبل وفيها فحلان أي ومنها فحلان ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية