الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي

                                                                                      قال ابن إسحاق : أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ، فضرب أعناقهم ، وسار في أرض تميم ، فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح ، وقالوا : نحن مسلمون ، فقيل لهم : ضعوا السلاح ، فوضعوه ، ثم صلى المسلمون وصلوا .

                                                                                      فروى سالم بن عبد الله ، عن أبيه : قال : قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه ، فجزع لذلك ، ثم [ ص: 44 ] ودى مالكا ورد السبي والمال .

                                                                                      وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء ، كان يقال له الجفول . قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه ، ثم ارتد ، فلما نازله خالد قال : أنا آتي بالصلاة دون الزكاة . فقال : أما علمت أن الصلاة والزكاة معا ، لا تقبل واحدة دون الأخرى ؟ فقال : قد كان صاحبك يقول ذلك ، قال خالد : وما تراه لك صاحبا ! والله لقد هممت أن أضرب عنقك ، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله : فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر ، فكره كلامهما ، وقال لضرار بن الأزور : اضرب عنقه ، فالتفت مالك إلى زوجته وقال : هذه التي قتلتني ، وكانت في غاية الجمال ، قال خالد : بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام ، فقال : أنا على الإسلام . فقال : اضرب عنقه ، فضرب عنقه ، وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام ، ثم تزوج خالد بالمرأة ، فقال أبو زهير السعدي من أبيات .


                                                                                      قضى خالد بغيا عليه لعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلكا

                                                                                      [ ص: 45 ] وذكر ابن الأثير في كامله وفي معرفة الصحابة ، قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك ، ولم تظهر منه ردة ، وأقام بالبطاح ، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سرايا ، فأتي بمالك . فذكر الحديث ، وفيه : فلما قدم خالد قال عمر : يا عدو الله قتلت‌ امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته ، لأرجمنك . وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا .

                                                                                      وقال الموقري ، عن الزهري ، قال : وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة ، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلة الحي ، فخرج مالك في رهطه ، فقال : من أنتم ؟ قالوا : نحن المسلمون ، فزعم أبو قتادة أنه قال : وأنا عبد الله المسلم ، قال : فضع السلاح ، فوضعه في اثني عشر رجلا ، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى ، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالدا ، فحدث أبو قتادة خالدا أن لهم أمانا وأنهم قد ادعوا إسلاما ، وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالدا أنه لم يكن لهم أمان ، وإنما أسروا قسرا ، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم ، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر . فلما قدم عليه قال : تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاما ، وإني نهيت خالدا فترك قولي ، وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم . فقام عمر فقال : يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقا ، وإن هذا لم يكن حقا ، فإن حقا عليك أن تقيده ، فسكت [ ص: 46 ] أبو بكر .

                                                                                      ومضى خالد قبل اليمامة ، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه ، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم ، فرد إليه أبو بكر السبي ، وقال لعمر وهو يناشد في القود : ليس على خالد ما تقول ، هبه تأول فأخطأ .

                                                                                      قلت : ومن المندبة :

                                                                                      وكنا كندماني جذيمة حقبة     من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
                                                                                      فلما تفرقنا كأني ومالكا     لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

                                                                                      وقال الثوري ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، قال : لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح ، خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو خطة مخزية ، فقالوا : يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها ، فما الخطة المخزية ؟ قال : يؤخذ منكم الحلقة والكراع ، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به ، وتؤدون ما أصبتم منا ، ولا نؤدي ما أصبنا منكم ، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار ، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم ، فقال عمر : أما قولك : تدون قتلانا ، فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم ، فاتبع عمر ، وقال في الباقي : نعم ما رأيت .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية