الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7348 ) مسألة : قال : ( فإن مات في جلده ، فالحق قتله . يعني : ليس على أحد ضمانه ) وهذا قول مالك ، وأصحاب الرأي . وبه قال الشافعي إن لم يزد على الأربعين ، وإن زاد على الأربعين فمات ، فعليه الضمان ; لأن ذلك تعزير ، إنما يفعله الإمام برأيه ، وفي قدر الضمان قولان ; أحدهما : نصف الدية ; لأنه تلف من فعلين ; مضمون ، وغير مضمون ، فكان عليه نصف الضمان . والثاني : تقسط الدية على عدد الضربات كلها ، فيجب من الدية بقدر زيادته على الأربعين . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت ، فأجد في نفسي منه شيئا ، إلا صاحب الخمر ، ولو مات وديته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه لنا .

                                                                                                                                            ولنا أنه حد وجب لله ، فلم يجب ضمان من مات به ، كسائر الحدود ، وما زاد على الأربعين قد ذكرنا أنه من الحد ، وإن كان تعزيرا ، فالتعزير يجب ، فهو بمنزلة الحد . وأما حديث علي ، فقد صح عنه أنه قال : { جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 140 ] أربعين وأبو بكر أربعين } وثبت الحد بالإجماع ، فلم تبق فيه شبهة .

                                                                                                                                            ( 7349 ) فصل : ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في سائر الحدود ، أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع ، من غير زيادة ، أنه لا يضمن من تلف بها ; وذلك لأنه فعلها بأمر الله . وأمر رسوله ، فلا يؤاخذ به ; ولأنه نائب عن الله تعالى ، فكان التلف منسوبا إلى الله تعالى . وإن زاد على الحد فتلف ، وجب الضمان ، بغير خلاف نعلمه ; لأنه تلف بعدوانه ، فأشبه ما لو ضربه في غير الحد .

                                                                                                                                            قال أبو بكر : وفي قدر الضمان قولان ; أحدهما : كمال الدية ; لأنه قتل حصل من جهة الله وعدوان الضارب ، فكان الضمان على العادي ، كما لو ضرب مريضا سوطا فمات به ; ولأنه تلف بعدوان وغيره ، فأشبه ما لو ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرقها . والثاني : عليه نصف الضمان ; لأنه تلف بفعل مضمون وغير مضمون ، فكان الواجب نصف الدية ، كما لو جرح نفسه وجرحه غيره فمات . وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي في أحد قوليه . وقال في الآخر : يجب من الدية بقسط ما تعدى به ، تقسط الدية على الأسواط كلها ، وسواء زاد خطأ أو عمدا ; لأن الضمان يجب في الخطإ والعمد ، ثم ينظر ; فإن كان الجلاد زاده من عند نفسه بغير أمر ، فالضمان على عاقلته ; لأن العدوان منه ، وكذلك إن قال الإمام له : اضرب ما شئت . فالضمان على عاقلته . وإن كان له من يعد عليه ، فزاد في العدد ، ولم يخبره ، فالضمان على من يعد ، سواء تعمد ذلك ، أو أخطأ في العدد ; لأن الخطأ منه .

                                                                                                                                            وإن أمره الإمام بالزيادة على الحد ، فزاد ، فقال القاضي : الضمان على الإمام . وقياس المذهب أنه إن اعتقد وجوب طاعة الإمام ، وجهل تحريم الزيادة ، فالضمان على الإمام ، وإن كان عالما بذلك ، فالضمان عليه ، كما لو أمره الإمام بقتل رجل ظلما فقتله . وكل موضع قلنا : يضمن الإمام . فهل يلزم عاقلته أو بيت المال ؟ فيه روايتان ; إحداهما : هو في بيت المال ; لأن خطأه يكثر ، فلو وجب ضمانه على عاقلته ، أجحف بهم . قال القاضي : هذا أصح . والثانية : هو على عاقلته ; لأنها وجبت بخطئه ، فكانت على عاقلته ، كما لو رمى صيدا فقتل آدميا . ويحتمل أن تكون الروايتان إنما هما فيما إذا وقعت الزيادة منه خطأ ، أما إذا تعمدها ، فهذا ظلم قصده ، فلا وجه لتعلق ضمانه ببيت المال بحال ، كما لو تعمد جلد من لا حد عليه .

                                                                                                                                            وأما الكفارة التي تلزم الإمام ، فلا يحملها عنه غيره ; لأنها عبادة ، فلا تتعلق بغير من وجد منه سببها ; ولأنها كفارة لفعله ، فلا تحصل إلا بتحمله إياها ، ولهذا لا يدخلها التحمل بحال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية