الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الاستسقاء متى يستسقي الإمام ، وهل يسأل الإمام رفع المطر إذا خاف ضرره ؟ أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس قال : { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 282 ] فقال : يا رسول الله هلكت المواشي ، وتقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطرنا من جمعة إلى جمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبيل ، وهلكت المواشي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم على رءوس الجبال والآكام ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر فانجابت عن المدينة انجياب الثوب } ( قال الشافعي ) : فإذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للإمام أن يتخلف عن أن يعمل عمل الاستسقاء ، وإن تخلف عن ذلك لم تكن عليه كفارة ولا قضاء ، وقد أساء في تخلفه عنه ، وترك سنة فيه ، وإن لم تكن واجبة ، وموضع فضل ، فإن قال قائل : فكيف لا يكون واجبا عليه أن يعمل عمل الاستسقاء من صلاة وخطبة ؟ قيل لا فرض من الصلاة إلا خمس صلوات ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن جدبا كان ولم يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوله عمل الاستسقاء ، وقد عمله بعد مدة منه فاستسقى ، وبذلك قلت : لا يدع الإمام الاستسقاء ، وإن لم يفعل الإمام لم أر للناس ترك الاستسقاء لأن المواشي لا تهلك إلا وقد تقدمها جدب دائم ، وأما الدعاء بالاستسقاء فما لا أحب تركه إذا كان الجدب ، وإن لم يكن ثم صلاة ولا خطبة ، وإن استسقى فلم تمطر الناس أحببت أن يعود ثم يعود حتى يمطروا ، وليس استحبابي لعودته الثانية بعد الأولى ، ولا الثالثة بعد الثانية كاستحبابي للأولى ، وإنما أجزت له العود بعد الأولى أن الصلاة والجماعة في الأولى فرض وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى سقي أولا فإذا سقوا أولا لم يعد الإمام ، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرني من لا أتهم عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : { أصاب الناس سنة شديدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بهم يهودي فقال : أما والله لو شاء صاحبكم لمطرتم ما شئتم ، ولكنه لا يحب ذلك فأخبر الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول اليهودي قال : أوقد قال ذلك ؟ فقالوا : نعم قال إني لأستنصر بالسنة على أهل نجد ، وإني لأرى السحابة خارجة من العين فأكرهها موعدكم يوم كذا أستسقي لكم } فلما كان ذلك اليوم غدا الناس فما تفرق الناس حتى مطروا ما شاءوا فما أقلعت السماء جمعة ، وإذا خاف الناس غرقا من سيل أو نهر دعوا الله بكف الضرر عنهم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بكف الضرر عن البيوت أن تهدمت ، وكذلك يدعو بكف الضرر من المطر عن المنازل ، وأن يجعل حيث ينفع ، ولا يضر البيوت من الشجر والجبال والصحاري إذا دعا بكف الضرر ، ولم آمر بصلاة جماعة ، وأمرت الإمام ، والعامة يدعون في خطبة الجمعة ، وبعد الصلوات ، ويدعو في كل نازلة نزلت بأحد من المسلمين ، وإذا كانت ناحية مخصبة ، وأخرى مجدبة فحسن أن يستسقي إمام الناحية المخصبة لأهل الناحية المجدبة ولجماعة المسلمين ، ويسأل الله الزيادة لمن أخصب مع استسقائه لمن أجدب فإن ما عند الله واسع ، ولا أحضه على الاستسقاء لمن ليس بين ظهرانيه كما أحضه على الاستسقاء لمن هو بين ظهرانيه ممن قاربه ، ويكتب إلى الذي يقوم بأمر المجدبين أن يستسقي لهم أو أقرب الأئمة بهم ، فإن لم يفعل أحببت أن يستسقي لهم رجل من بين ظهرانيهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية