الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7383 ) ( وإذا دخل منزله بالسلاح ، فأمره بالخروج ، فلم يفعل ، فله أن يضربه بأسهل ما يخرجه به ، فإن علم أنه يخرج بضرب عصا ، لم يجز أن يضربه بحديدة ، فإن آل الضرب إلى نفسه ، فلا شيء عليه ، وإن قتل صاحب الدار كان شهيدا ) وجملته أن الرجل إذا دخل منزل غيره بغير إذنه ، فلصاحب الدار أمره بالخروج من منزله ، سواء كان معه سلاح أو لم يكن ; لأنه متعد بدخول ملك غيره ، فكان لصاحب الدار مطالبته بترك التعدي ، كما لو غصب منه شيئا ، فإن خرج بالأمر ، لم يكن له ضربه ; لأن المقصود إخراجه .

                                                                                                                                            وقد روي عن ابن عمر ، أنه رأى لصا ، فأصلت [ ص: 152 ] عليه السيف ، قال : فلو تركناه لقتله . وجاء رجل إلى الحسن ، فقال : لص دخل بيتي ومعه حديدة ، أقتله ؟ قال : نعم ، بأي قتلة قدرت أن تقتله . ولنا ، أنه أمكن إزالة العدوان بغير القتل ، فلم يجز القتل ، كما لو غصب منه شيئا ، فأمكن أخذه بغير القتل . وفعل ابن عمر يحمل على قصد الترهيب ، لا على قصد إيقاع الفعل .

                                                                                                                                            فإن لم يخرج بالأمر ، فله ضربه بأسهل ما يعلم أنه يندفع به ; لأن المقصود دفعه ، فإذا اندفع بقليل ، فلا حاجة إلى أكثر منه ، فإن علم أنه يخرج بالعصا ، لم يكن له ضربه بالحديد ; لأن الحديد آلة للقتل ، بخلاف العصا .

                                                                                                                                            وإن ذهب موليا ، لم يكن له قتله ، ولا اتباعه ، كأهل البغي . وإن ضربه ضربة عطلته ، لم يكن له أن يثني عليه ; لأنه كفي شره . وإن ضربه فقطع يمينه ، فولى مدبرا ، فضربه فقطع رجله ، فقطع الرجل مضمون عليه بالقصاص أو الدية ; لأنه في حال لا يجوز له ضربه ، وقطع اليد غير مضمون .

                                                                                                                                            فإن مات من سراية القطع ، فعليه نصف الدية ، كما لو مات من جراحة اثنين . وإن عاد إليه بعد قطع رجله ، فقطع يده الأخرى ، فاليدان غير مضمونتين .

                                                                                                                                            وإن مات ، فعليه ثلث الدية ، كما لو مات من جراحة ثلاثة أنفس . فقياس المذهب أن يضمن نصف الدية ; لأن الجرحين قطع رجل واحد ، فكان حكمهما واحدا ، كما لو جرح رجل رجلا مائة جرح ، وجرحه آخر جرحا واحدا ، ومات ، كانت ديته بينهما نصفين ، ولا تقسم الدية على عدد الجراحات ، كذا هاهنا . فأما إن لم يمكنه دفعه إلا بالقتل ، أو خاف أن يبدره بالقتل إن لم يقتله ، فله ضربه بما يقتله ، أو يقطع طرفه ، وما أتلف منه فهو هدر ; لأنه تلف لدفع شره ، فلم يضمنه ، كالباغي ، ولأنه اضطر صاحب الدار إلى قتله ، فصار كالقاتل لنفسه .

                                                                                                                                            وإن قتل صاحب الدار فهو شهيد ; لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أريد ماله بغير حق ، فقاتل فقتل ، فهو شهيد } . رواه الخلال بإسناده . ولأنه قتل لدفع ظالم ، فكان شهيدا ، كالعادل إذا قتله الباغي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية