الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ( 75 ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ) الآية . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا أبو عبد الله بن حامد الأصفهاني ، حدثنا أحمد بن [ ص: 76 ] محمد بن إبراهيم السمرقندي ، حدثنا محمد بن نصر ، حدثني أبو الأزهر أحمد بن الأزهر ، حدثنا مروان بن محمد بن شعيب حدثنا معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي قال : جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " ، ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت " ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم ارزق ثعلبة مالا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ، فنزل واديا من أوديتها وهي تنمو كالدود ، فكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر ، ويصلي في غنمه سائر الصلوات ، ثم كثرت ونمت حتى تباعد بها عن المدينة ، فصار لا يشهد إلا الجمعة ، ثم كثرت فنمت فتباعد أيضا حتى كان لا يشهد جمعة ولا جماعة . فكان إذا كان يوم الجمعة خرج يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار ، فذكره صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال : ما فعل ثعلبة؟ قالوا : يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما ما يسعها واد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة " . فأنزل الله آية الصدقات ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني سليم ورجلا من جهينة وكتب لهما أسنان الصدقة ، كيف يأخذان؟ وقال لهما : " مرا بثعلبة بن حاطب ، وبفلان ، رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأوها قالوا : ما هذه عليك . قال : خذاه فإن نفسي بذلك طيبة ، فمرا على الناس فأخذا الصدقات ، ثم رجعا إلى ثعلبة ، فقال : أروني كتابكما فقرأه ، ثم قال : ما هذه إلا أخت الجزية ، اذهبا حتى أرى رأيي .

                                                                                                                                                                                                                                      قال فأقبلا فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه قال : يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ، ثم دعا للسلمي بخير ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله تعالى فيه : ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ) الآية ، إلى قوله : ( وبما كانوا يكذبون ) وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة [ ص: 77 ] فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة لقد أنزل الله فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة ، فقال : إن الله عز وجل منعني أن أقبل منك صدقتك ، فجعل يحثو التراب على رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا عملك وقد أمرتك فلم تطعني ، فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض صدقته ، رجع إلى منزله . وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أتى أبا بكر فقال : اقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا أقبلها؟ فقبض أبو بكر ولم يقبلها . فلما ولي عمر أتاه فقال : اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر ، أنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها فلما ولي عثمان أتاه فلم يقبلها منه ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان
                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة : أتى ثعلبة مجلسا من الأنصار فأشهدهم لئن آتاني الله من فضله آتيت منه كل ذي حق حقه ، وتصدقت منه ، ووصلت الرحم ، وأحسنت إلى القرابة ، فمات ابن عم له فورثه مالا فلم يف بما قال ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن ومجاهد : نزلت في ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ، وهما من بني عمرو بن عوف ، خرجا على ملأ قعود وقالا والله لئن رزقنا الله مالا لنصدقن ، فلما رزقهما الله عز وجل بخلا به فقوله عز وجل ( ومنهم ) يعني : المنافقين ( من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ) ولنؤدين حق الله منه . ( ولنكونن من الصالحين ) نعمل بعمل أهل الصلاح فيه ؛ من صلة الرحم والنفقة في الخير .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية