الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 199 ] الفرق بين الإيتاء والإعطاء

وهناك فرق بين الإيتاء والإعطاء في القرآن ، قال الجويني : " إن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله ، لأن الإعطاء له مطاوع ، يقال : أعطاني فعطوت ، ولا يقال في الإيتاء : آتاني فأتيت ، وإنما يقال : آتاني فأخذت ، والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله من الذي لا مطاوع له ، لأنك تقول : قطعته فانقطع ، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول المحل ، لولاه لما ثبت المفعول ، ولهذا يصح : قطعته فما انقطع ، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك ، فلا يجوز أن يقال : ضربته فانضرب أو ما انضرب ، ولا قتلته فانقتل أو ما انقتل ، لأن هذه أفعال إذا صدرت من الفاعل ثبت لها المفعول في المحل ، والفاعل مستقل بالأفعال التي لا مطاوع لها ، فالإيتاء إذن أقوى من الإعطاء " .

ولهذا شواهده ، فقد قال تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، لأن الحكمة إذا ثبتت في المحل دامت ، وهي عظيمة الشأن ، وقال : آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، وقال : إنا أعطيناك الكوثر ; لأن بعد الكوثر منازل أعلى ، حيث يكون الانتقال إلى ما هو أعظم منه في الجنة ، وقال : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ; لأن الجزية موقوفة على قبول منا ، وهم لا يؤتونها إيتاء عن طيب قلب ، وإنما عن كره ، وقد عبر بالإيتاء في جانب المسلمين بالنسبة إلى الزكاة ، وفي ذلك : إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن يكون إعطاؤه للزكاة بقوة ، لا يكون كإعطاء الجزية . "

التالي السابق


الخدمات العلمية