الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في جناية الموصى بعتقه يجني قبل موت سيده قلت : أرأيت لو أن رجلا أوصى بعتق عبده فجنى قبل أن يموت السيد ، أتنتقض الوصية فيه أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولكن يخير السيد ، فإن دفعه بطلت الوصية ، وإن فداه كانت الوصية كما هي . وقال مالك : هو عبد بعد ، فله تغيير وصيته ويبيعه ويصنع به ما شاء . فلما قال مالك ذلك ، علمنا أنه يجوز له أن يسلمه ، فإن لم يسلمه وفداه فالوصية له ثابتة ، لأن الوصية تقع بعد الموت إذا لم يغيرها قبل موته ، وكذلك بلغني عمن أثق به من بعض أهل العلم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أوصى فقال : إذا مت فهو حر . فجنى العبد قبل أن يقوم في الثلث ، والثلث يحمله ؟

                                                                                                                                                                                      قال : يعتق وتكون الجناية دينا عليه يتبع بها .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : هو مثل ما قال مالك في [ ص: 586 ] المدبر ، لأنه عند مالك عبد ما لم يقوم إن كان الثلث يحمله ، إلا أن تكون أمواله مأمونة من دور أو أرضين بحال ما وصفت لك ، فيكون ذلك على العاقلة . وذلك أن مالكا قال : حدوده وحرمته وقذفه بمنزلة العبد حتى يقوم في الثلث ويخرج من الثلث ، لأن مالكا قال : لو أصيب بشيء قبل أن يقوم في الثلث حتى ينقص ذلك من عتقه . نقص من عتقه ورق منه بقدر ما يرق ، فذلك يدلك على أنه عبد ، وأن العاقلة لا تحمل عن عبد ، وأن ما جنى بمنزلة ما جنى عليه . وإنما قال لنا مالك هذا في المدبر ، فإذا أوصى بعتقه بعد موته ثم مات فجنى بعد الموت فسبيله سبيل المدبر سواء ، لأنه قد ثبت له ما ثبت للمدبر ، وكذلك بلغني عمن أثق به .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقد أعلمتك باختلافهم في المال المأمون . قال سحنون : من أصحابنا من يقول : وإن كان المال مأمونا فهو على حاله حتى يقوم .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أوصى بعتقه ، ثم جنى العبد جناية فلم يقم عليه ولي الجناية حتى مات السيد والثلث يحمله ، أو لم يدع مالا سواه . أترى للورثة ما كان لأبيهم من الخيار في أن يسلم العبد أو يفتكه ، أم ترى الحرية قد جرت فيه لما مات السيد ، وتجعل سبيله سبيل من جنى بعد الموت ؟

                                                                                                                                                                                      قال : المجروح أولى به وهو في رقبته ، فإن أسلم كان عبدا للمجروح ، وإن افتكوه رجع العبد في الوصية إلى مال سيده فأعتق في ثلثه ، بمنزلة ما لو افتكه سيده قبل أن يموت وتكون الورثة فيه بعد الموت بمنزلة السيد قبل أن يموت ، لأن الجرح كان في رقبته قبل أن يموت سيده .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أعتقه بتلا في المرض ولا مال له ، فجنى العبد جناية ، ثم أفاد أموالا مأمونة في مرضه كثيرة ؟ قال : يعتق العبد حين أفادها وتكون الجريرة في ذمته يتبع بها ولا تحملها العاقلة ، لأنه يوم جنى كان ممن لا تحمل العاقلة جريرته .

                                                                                                                                                                                      قلت : أسمعت هذا من مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : الذي سمعت من مالك في هذا قد أخبرتك به في المسائل الأولى ; لأن مالكا قال لنا : إذا كانت له أموال مأمونة - ما قد أخبرتك به ، فهو إذا أفادها في مرضه - صنعت به حين أفادها في العتق مثل ما كنت أصنع به إذا أعتقه ، وله أموال مأمونة .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية